وكدعوى أنّ ذلك مناف للأخبار الدالّة على التمسّك بالكتاب ؛ كخبر «الثقلين» (١) ، وروايات عرض الاخبار عليه والاخذ بما وافقه (٢) باعتبار دلالتها على بقاء الكتاب في كلّ وقت ؛ إذ لا معنى للأمر بالتمسّك بما لا يوجد عندنا ، كما أنّ الامام موجود في كلّ عصر ، أو باعتبار استظهار إرادة الكتاب الموجود عندنا في كثير منها ؛ مع أنّه على تقدير التحريف لا يجوز التمسّك بها ؛ إذ ليس المحرّف كلام الله حتى يكون دليلا ، بل كلام مخلوق منافق أو فاسق أو نحوهما.
وفيه أنّه يكفي بقائه واقعا كبقاء المعصوم ، فيكون لكلا الثقلين حالان : غيبة لا نتمكّن من الوصول إليه ، وظهور وحضور يتمكّن الناس من الاخذ به تفصيلا ، على أنّ قيد التمكّن معتبر في الاوامر ، فالمأمور به هو المقدار المقدور من التمسّك بالكتاب ، أو عرض الحبر عليه ، أو الاخذ به ، فيصحّ أن يكون في البعض غير مقدور ؛ كالمتشابهات ، ولو حمل بالنسبة إليها على التمسّك الاجمالي جرى فيما نحن فيه أيضا ؛ مع أنّ أكثر آيات الكتاب الوارد في الاحكام غير وافية بنفسها بالتفاصيل في أنظارنا القاصرة.
وأمّا دعوى أنّه لا يصحّ التمسّك بالكتاب الموجود حينئذ.
ففيه أنّه يمكن أن يكون المعصوم عليهالسلام عالما بأنّه لم يقع فيه تحريف يوجب تغيير حكم ، كما استظهر من بعض دعوى الاجماع عليه. ويمكن أن يكون حكما ظاهريّا ؛ كالامر بالأخذ بالأحاديث مع كثرة وقوع الاختلال فيها ، كما أنّ الدلالة ظنّيّة غالبا ، فليكن اللّفظ أيضا كذلك ؛ إذ الحكم ظاهريّ بالنسبة إلى الدلالة الظنّيّة ولو حمل على التمسّك بالمراد الواقعيّ ، فانقطاع الايدي عنه كانقطاعها عن مصحف الامام عليهالسلام. ويؤيّده ورود عرض الخبر على السنّة والتمسّك بها أيضا مع
__________________
(١) تقدم في المقدمة الاولى ، ص ١٧. وقد علمت كثرة أخباره وتعدّد طرقه فيما سبق.
(٢) تقدم في المقدمة الثانية ، ص ٤٤ ـ ٤٧ ، فراجع.