الدنيا ، وما يعرفه بالصورة الثانية ؛ لأنّه ما عرفه به في الدنيا ، ويعرفه إذا تصوّر بالصورة الّتي كان عليها في باطن هذا العالم ؛ إذ كان عرفه كذلك.
ثمّ إنّه ينطلق به إلى رب العزّة ، كما كان يقرّبه إلى الله سبحانه في الدنيا بحضوره في قلبه ، وجريانه على لسانه ، وتعليمه وهدايته ، وحمله إيّاه على ما يقرّبه إلى الله سبحانه ، ويظهر عند الربّ ما صنع به ، كما أظهر في مشاهدة الربّ في دار الدنيا من العبد ما صنعه وحمله عليه ، كما صرّح به في الرواية الثالثة والرابعة ، فيجزيه الربّ الجزاء الاولى ، ويبشّره القرآن بكرامة الله ، كما في الرواية الثالثة ، كما كان يبشّره في الدنيا ؛ (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ.)(١)
ثمّ الظاهر أنّ تعجّب الراوي من تكلّم القرآن لأنّه لم يطّلع منه إلا على الالفاظ والنقوش الواقعة في هذا العالم ؛ لأنّه نظر إليه نظر الضعفاء في مقام الايمان ، ولهذا استرحم الامام على الضعفاء المسلّمين لكلام الائمّة عليهمالسلام وإن لم يصل إلى إدراكه أفهامهم ، فانّ طريقة النجاة لهم هو التسليم دون جعل الافهام الناقصة ميزانا لكلامهم في الردّ والقبول. وأمّا الاقوياء فهم يدركون صحّته على قدر درجاتهم في الايمان ، فيصدّقون تصديقا إيقانيّا ، لا تعبّديّا. ولعلّ محصّل الجواب هو المقايسة بالصلاة لاشتراك الاستبعاد الوهمي بينهما ، وأنّ لها صورة وخلقا تأمر وتنهى ، وهو من باب تجسّم الاعمال الجزئيّة الصادرة عنّا ، أو من باب صورته الكلّيّة المقدّمة على الافعال الجزئيّة ، نظير ما مرّ في القرآن.
ثمّ إنّ الصلاة بكلا الوجهين تنهى عن موالاة أعدائهم خصوصا الاوّلين ، المكنّى عنهما بالفحشاء والمنكر بالخصوص (٢) ، أو مندرجين تحت المكنّى عنه لو لم
__________________
(١) البقرة / ٢٥. وفي المخطوطة : «يبشر».
(٢) هذه التكنية قد وردت في روايات الائمه ـ عليهمالسلام ـ ؛ كرواية رواه ـ