الفعل بالتبرّك أظهر ، وأنّ في التبرّك باسم الله من التأدّب ما ليس في جعله بمنزلة الآلة ؛ إذ الآلة لا يكون مقصودة بالذات ، واسم الله عند الموحّد أهمّ شيء وأقدمه ، وغيرها من بعض الامور الاعتباريّة المحضة.
والظاهر أن الاوّل هو الظاهر من الباء في مثل المقام ، وفيه من التأدّب والمناسبة ما ليس في الثاني ؛ إذ نهاية أدب العبد غمض العين عن حوله وقوّته ، والالتجاء إلى اسم ربّه ، والاعتصام والاستعانة به في جميع شؤونه وأفعاله ، إلى أن يصل إلى مقام يغني عن مشاهدة نفسه فاعلا ومريدا ، ويرى ذاته فاعلا ومريدا بالله سبحانه. وهذا حقيقة التبرّك باسمه تبارك وتعالى ، فانّه مفتاح نزول البركات عليه ، وسبب لوصول الفيض عليه في إتمام المقصود ، فلا يكون الفعل المبتدء به أبتر ، بخلاف من يرى نفسه مصدرا لأفاعيله معتمدا على نفسه وإن تبرّك بذكر اسم الله. ويشهد لذلك الرواية المتقدّمة. وليس ذكر الاستعانة فيه دليلا على نقي تقدير القرائة والعمل ، بل لعلّه بناء [على] معنى الربط المدلول عليه بكلمة الباء ، فلا ينافي كون متعلّقها هو القرائة والعمل ، ويجوز تقدير مستعينا حالا من الضمير في «أقرأ» و «أعمل» ليكون هو المتعلّق.
وأمّا تعميم المستعان له للأمور كلّها ، فيجوز كونه لأجل بيان أنّ جميع الاعمال التي يبدء بها باسم الله كذلك ، فيكون كلّ فرد من أفراد البسملة مرادا بها استعانة خاصّة ، وأن يكون تكميلا للاستعانة الخاصّة بالحاق جميع ما يشاركها به ليكون أتمّ. وحينئذ فيكون الروايتان متقاربتين في المفاد معتضدتين بالاعتبار.
ولهذا القول حينئذ صورة ومعنى. أمّا الصورة ، فاظهار أنّي أوجد القرائة والعمل باسم الله مستعينا به ومعتمدا عليه ، لا بأسمائي وصفاتي وحولي وقوّتي ومشيّتى. وأمّا المعنى ، ففي مقام الحال كون حال القائل اللجأ والاعتصام باسم الله سبحانه ، وعدم الاعتماد على نفسه وصفاته ، وفي مقام المعرفة العلم بأنّه لا يملك