الكماليّة انبعث له حال الخضوع قلبا ، والطاعة له جوارحا. وبهذه الملاحظة فالله هو الذات المستجمعة لجميع الصفات الكماليّة ؛ إذ لو فقد منها شيئا لم يكن معبودا بقول مطلق. ومن جملتها أن يكون مرتفعا عن الخلق وعن مبلغ مداركهم ، بحيث يحتجب عنها بغير حجاب ، ومستورا عن درك الابصار ، ومحجوبا عن الاوهام والخطرات ، فيأله الخلق عن إدراك حقيقته ، فيناسب جملة من مبادي الاشتقاق السابقة ، ويوافق جملة من الروايات المتقدّمة.
وذلك لأنّ المدارك لا تدرك إلا ما كان واقعا في عالمها ومشاركا لها ، ومثله لا يستحقّ العبادة ، وإنّما المستحقّ هو خالق المدرك والمدرك ، المنزّه عن صفاتها وشباهتها ، وصيرورته في عالم من عوالمها ؛ إذ المتماثلين أو المتشابهين أو المتجانسين لا يستحقّ واحد منهما العبادة على الآخر ، وإنّما المستحقّ القدّوس المطلق المنزّه عن جميع ما ينعت به الخلق.
وأيضا الخضوع المطلق إنّما يكون عند من تحيّر فيه إدراك الخاضع ؛ إذ التحيّر من أنواع الخضوع والاستكانة ، والمدرك بالاكتناء يسكن الخضوع بعد تمام إدراكه. وأيضا الّذي يحاط به العلم محاط للعالم ، والمحيط أولى بالمعبوديّة من المحاط.
ومن جملتها أن يكون مستوليا على جميع ما دقّ وجلّ ؛ إذ لو لم يستول على شيء منها لم يكن مستحقّا لعبادته من هذه الحيثيّة ، فانّ المستولى عليه يحقّ له عبادة المستولي دون غيره ، فليس معبودا مطلقا. ولعلّ إليه الاشارة بالحديث السابق ، لا اشتقاق لفظ الجلالة من الاستيلاء إلا أن يؤل بالاشتقاق الكبير ، فيكون الغرض بيان المناسبة.
وتارة أخرى من حيث طلب شيء بالاستحقاق الذاتي من المعبود من مطلوب دنيويّ أو معنويّ أو أخروي ، أو هرب من شيء مبغوض بأحد الوجوه الثلاثة ،