فالعابد يتألّه إلى معبوده في حاجته. والاله المطلق بهذا الاعتبار من كان مستوليا على كلّ شيء دقيق وجليل لا يخرج عن حكمه شيء ، حتّى يصحّ تذلّل كلّ شيء له في كلّ أمر من الامور المتعلّقة به من مطلوب أو مبغوض على الوجوه الثلاثة ، حتّى يتذلّل العابد له بالالتجاء إليه في كلّ حاجة.
ومن هنا يتبيّن وجه التعميم في الحاجة والمحتاج في الرواية الاولى ، وتفصيله باثبات انحصاره فيه سبحانه ، وأنّ من سواه لا يقدر على الكلّ وإن قدر على بعض ، بل هو محتاج أيضا ، والمعبود في كلّ جهة لا بدّ وأن يكون غنيّا من كلّ جهة ، إذ عبادة المحتاج للمحتاج سفاهة ، وهذا بحسب ظاهر النظر ، والا فالمحتاج إليه عند العارف ليس إلا الحقّ سبحانه ، وهو من دونهم وليّ الاعطاء والمنع ، وجميع ما سواه يلتجأ به ، إمّا دائما كالعارف ، وإمّا عند الحاجة كالمؤمنين ، وإمّا عند الاضطرار كالكفار ؛ كما يشهد له الآية (١) والرواية ، وما رواه في التوحيد بعد ما قدّمناه في صدر ترجمه البسملة ؛ قال :
«وهو ما قال رجل للصّادق عليهالسلام : يابن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، دلّني على الله ما هو ، فقد أكثر عليّ المجادلون وحيّروني.
فقال له : يا عبد الله ، هل ركبت سفينة قطّ؟ قال : نعم.
قال : فهل كسر بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك؟
قال : نعم.
قال : فهل تعلّق قلبك هنالك أنّ شيئا من الاشياء قادر على
__________________
(١) كقوله تعالى : «فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ.» (العنكبوت / ٦٥) ، وقوله تعالى : «وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ.» (الروم / ٣٣).