الواضع هو الله تعالى ، وأنّه يدرك ذاته على ما هو عليه ، فله أن يضع لذاته اسما مخصوصا لا يشاركه فيه غيره حقيقة ، فمدفوع بأنّ جميع أسماء الله سبحانه دالّة على الذات من حيثيّة من الحيثيّات السلبيّة والايجابيّة ، أو الاضافيّة ، أو المركّبة ، ولا يكون معانيها عند المدرك إلا متميّزة محدودة متعيّنة ؛ إذ لو لا التميز والتعيين امتنع الادراك ، والمشار إليه بهذه المعاني ليس إلا الذات : إذ لولاه لم تكن هذه أسماء له ، بل لغيره ، ولم يكن الداعي بها داعيا له بكلّ معنى من المعاني المدلول عليها بالاسماء ، وجهة يتوجّه بها العبد إلى ذات الحقّ سبحانه. فاذا فرضنا خلو المدلول عن وجهة أصلا لم يقع عليه الادراك أصلا ، فلا يفهم منه شيء أصلا ، فلم يكن موضوعا له ؛ إذ الوضع تخصيص شيء بشيء بحيث متى أطلق أو أحسّ الشيء الاوّل فهم منه الشيء الثاني. وإن اشتمل على وجهة على جهة المرآتيّة والمعرفيّه للمسمّى فهو شأن كلّ اسم من أسمائه من حيث كونه اسما ؛ إذ لو لم يكن معرّفا ومرآة لم يكن اسما له سبحانه ، بل اسما لغيره ، فتبصّر.
وحينئذ فوضع الحقّ الاسم إن كان لتعريف نفسه لنفسه فهو العالم بنفسه لنفسه ، المنزّه عن كونه معرفته بغيره ؛ وإن كان لتعريف غيره به ، فقد عرفت امتناعه ، فما معنى الوضع المفروض؟
ونظير هذا الكلام يجري في حقائق الاسماء الالهيّة ؛ إذ الاسم مخلوق والمخلوق محدود والله سبحانه منزّه عن الحدّ ، فلا بدّ أن يكون الحقيقة حاكيا عن الحقّ بما ظهر له من الشأن فقط ، فلا يكون اسما للذات بما هي هي ، فافهم.
ويؤيّد ما اخترناه في كلمة الجلالة ظاهر قوله سبحانه : (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ)(١) ، والاخبار المذكورة أخيرا.
وأمّا إطلاق المألوه على المربوب مع أنّ المألوه بمعنى المعبود ، فكأن الوجه
__________________
(١) الانعام / ٣.