تكميل النظر في الاوصاف الخمسة لربّه المذكورة في الآيات الثلاث وغيرها من أسمائه وصفاته سبحانه ، وتقابل تلك الصفات إلى هذه الصفات.
فمن شاهد صفات نفسه بما ذكروه من خواص الامكان وغيرها ممّا لم يذكروه يرى كلّ واحد من صفاته كافيا لذلّته وخضوعه ، كما أنّ كلّ صفة من صفات الله سبحانه ممّا عدّ من خواصّ الوجوب وغيرها كافية في استحقاق وقوع الخضوع له. فقايس وتدبّر لعلّك تستفيد منه ما لا مطمع لك فيه قبله.
وكمال هذا المقام توحيده ، وهو سلب الكمال عن جميع الممكنات وإضافتها إلى الحقّ سبحانه ، وسلب الفقر والنقص عن الحقّ وتعميمهما على جميع دائرة الحق (١) ، حتّى يظهر أنّه لا ينبغي مسمّى الخضوع إلا له سبحانه ، أو بأمره ، أو من جهته.
وهذا هو الّذي ينتج التوحيد في الدعاء والاستعانة. كيف يسأل محتاج محتاجا؟ وأنّى يرغب معدم إلى معدم؟
وله مقام في القلب يسمّى حالة الخضوع والخشوع ، ويظهر آثاره في العين بترك رفع الطرف وخفضه ، وفي الرأس باطراقة وطأطئته (٢) ، وفي المنكبين بالقاء جناح الذلّة ، وفي الصوت بغضّه ، وفي الصلب بانحنائه إلى حالة الركوع ، وفي الجبهة وسائر المساجد عند السجدة. وكلّ هذه خضوعات وتذلّلات ظاهريّة ، وروحها ومبدئها الامر القلبيّ.
وله مقام في مقام الانقياد لما يرد عليه من طرف المعبود ، فمن كان قلبه خاضعا قبل أحكامه ، وامتثلها على ما أراد منه ، ومن كان مستكبرا أبي ولم يقبله. ويعبّر عنه بالطاعة.
وله مقام في عمله مع كلامه معبوده ، وفي حضور أوليائه ، وكلّ شيء له
__________________
(١) كذا في الاصل ، لكن الظاهر : «الخلق».
(٢) أطرق رأسه أي : أماله وأسكنه ، وطأطأ الرأس وغيره أي : خفضه.