راسخة في جوهر العقل ثابتة فيه ، كأنّه لوح ، وهذه الادراكات منقوشة عليه. وكما أنّ كلّما حكم به العقل حكم به الشرع وبالعكس على ما أثبته أهل الاصول كذلك الكتاب المذكور مطابق للقرآن لا يخالف أحدهما صاحبه. وكما أنّ العقل لا يقبل الريب في أحكامه كذلك ذلك الكتاب لا يدخله ريب ولا شكّ ، وهو ظاهر لصاحبه بنفسه ، أو هو الصاحب لنفسه وظاهر لغيره بآياته ودلائله.
وحينئذ فاطلاق الكتاب على عليّ عليهالسلام المطابق للقرآن مطابقة تامّة ، لا افتراق بينهما كما يظهر من أخبار الثقلين وغيرها ، ولا ريب فيه له ولا لغيره من أولى الالباب ، الّذين ينظرون بألبابهم في شأنه وكمالاته وصفاته المظهر لكونه كذلك صحيح وأولى بالصحّة من كلّ شيء.
ولعلّ وجه استخراج حال ذلك الكتاب العلويّ من لفظ الكتاب المراد منه القرآن أنّ هذا الكتاب في مقامه الظاهريّ بمنزلة صورة ظاهريّة لذلك الكتاب المعنويّ ، الّذي (هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ)(١) وهم الائمّة عليهمالسلام. فالاحكام المترتّبة على تلك الصورة يسري إلى حقيقته بالتأويل ، فيكون مفاد التأويل هو ما ذكر في الرواية.
أو يقال : إنّ للكتاب مقامات. أحدها نفس أمير المؤمنين عليهالسلام ، فاذا ثبت الحكم للكتاب بعنوان مطلق ثبت لجميع مواطنه ومواقعه وعوالمه ، فيكون من جملة مفاد الكلام أنّ «كتاب عليّ عليهالسلام لا ريب فيه ـ الخ.» وذلك الكتاب هو أمير المؤمنين عليهالسلام لم يدخل قلبه ريب ولا شكّ أبدا ، وليس في شأنه شكّ ولا ريب لأولى الالباب مع ما ظهر منه.
و (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) وإمام لهم يأتمّون به ويهتدون به ، بل صدق هذه الجمل عليه في هذا المقام أوضح من مقام الكتاب الظاهر للناس.
__________________
(١) العنكبوت / ٤٩.