وظهور آثارها في القلب بحدوث الحالات النفسانية الّتي تقتضيها تلك المعرفة وارتفاع أضدادها على درجاتها الغير المتناهية ، ولها ثمرات وفروع يترتّب عليها من فعل ما تقتضي تلك المعرفة فعله ، وترك ما تقتضي تركه على اختلاف الافعال والتروك في قوّة الاقتضاء وضعفه بحسب مرتبتها.
فهذه مراتب أربعة ، فله شأن في مقام الاعتقاد ، وشأن في مقام القبول ، وشأن في مقام الحالات والاخلاق والملكات ، وشأن في مقام العمل ، ونسبة كلّ سابق إلى لاحقه كنسبة الاصل للفرع ، والبذر للزرع ؛ إذ الاعتقاد هو المؤثّر في القبول فما بعده ، والقبول فرع الاعتقاد الّذي هو المقبول ، وسبب لانبعاث الحالات النفسانيّة الموافقة لتلك المعرفة عنه ، وتلك الحالات هي مبدء الافعال والتروك الخارجيّة.
ومثاله مثال من أخبر بمجىء أسد في مكانه ، فايمانه بالمخبر والخبر اعتقاد صدقه وقبول كلامه. فاذا اعتقد وقبل أثرا في حقّه خوفا من الاسد ، وطلب هرب من المكان الّذي تعرض له الاسد ، ولو لا الاعتقاد والقبول لم يخف ولم يطلب الهرب ، وإذا خاف واشتاق إلى الهرب هرب بارادته المنبعثة عنهما. وحينئذ فقد كمل إيمانه بالمخبر حيث أمنه التكذيب والمخالفة ، وجعل نفسه ذا أمن من الشك والاضطراب في الصدق والكذب بقبوله خبره اعتقادا وحالا وعملا.
فمثل هذا المؤمن في المقام مؤمن حقيقة ، وبقدر الكمال في تلك الشؤون يكون كمال الايمان وضعفه ، وإذا انتفت أحدها فان كان المنتفي هو الاول والثاني انتفت الايمان ، كما ينتفي الشجرة بانعدام أصله ، أو ساقه الكبير المتصل بالاصل. وإن كان الثالث أو الرابع فلا ينتفي أصل الشجرة ، وإنما ينعدم كماله فهو شجرة ناقصة ؛ إذ كان بلا غصن ، أو بلا ثمرة. وسقوط كل واحد من الاغصان والثمرات ينتقص شجرة الايمان ، وبكماله يكمل ، ولا ينفع الاغصان والفروع لو فرض وجودهما