أتقنه وأحكمه مشروحا ، لا ما لم يتمّ بعد نضجه وكماله ، أو لم يحضره بيان كاف له.
ثم إنّ في نسبة الرزق إليه سبحانه دلالة على إرادة المال الحلال ولو قلنا بشمول الرزق للحرام أيضا ، واعتباره في المقام ظاهر ؛ إذ إنفاق المال الحرام على غير الوجه الشرعي حرام آخر ، فلا يستحق فاعله مدحا ، ولا يعدّ فعله من صفات المتقين ، واعتبار النسبة إليه سبحانه في العلم يخصّه بالهدايات الالهية ، أو مع كل علم حق خالص عن شوب الوهم والخيال والاباطيل والقضايا الكاذبة.
ثمّ إن الرزق على المعنى الاول لا يختصّ بالمال والعلم ، بل يشمل القوى والابدان والجاه ، والانفاق منها إسعاف الحاجات والاخذ بأيدي الضعفاء ، وقود الضرائر وإنجائهم من المهالك ، وحمل المتاع عنهم ، وإغاثة الملهوف وغير ذلك.
وببالي أني سمعت أنّ واحدا من الاتقياء رأى في النوم مجلسا اجتمع فيه علمائنا إلا «ابن فهد الحلّي». فسأل عنه ، فقيل له : إنه دخل في مقام الانبياء أو مجلسهم. فسأل عنه بنفسه بعد لقائه في المنام ، فأجيب بأنّ السبب أني كنت فقيرا لا مال لي أتصدّق بها ، فكنت أتصدق بجاهي ، ولذلك صرت هكذا.
وقد ورد في الاخبار على ما ببالي أنّ : «لكلّ شيء زكاة ، وزكاة الابدان الصيام.» (١)
ولعلّ في تفسير الكلام بتعليم العلم وتلاوة القرآن إشارة إلى عدم الوقوف على ما يفهمه العوام من الرزق والانفاق ، وأنه ينبغي التعدي إلى كل رزق وكلّ إنفاق ، أو خصوص الروحاني منهما.
__________________
(١) بهذا المعنى ورد روايات كثيرة ، كرواية الصدوق (ره) في الامالي ، المجلس الخامس عشر ، ح ١ ، عن الصادق ، عن آبائه ـ عليهمالسلام ـ ، عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوآله ـ ؛ وقد ذكرها المجلسي (رض) في البحار ، ج ٩٦ ، باب فضل الصيام ، ص ٢٤٦ ، ح ١ ، فراجع.