أيضا ؛ (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ)(١) وسائر العلوم بمنزلة التوابع له.
ثم إن الظاهر أن كلمة «من» تبعيضيّة ، فيكون المنفق هو بعض ما رزقهم الله سبحانه ، ووجهه في الاموال واضح ؛ إذ التبذير والبسط التامّ غير مطلوب ؛ (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ)(٢) ، (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً)(٣).
وأما في العلم الّذي هو الرزق الروحاني ، فربما يظنّ أنه لا حدّ له ولا إسراف ، بل كلّما أكثر بذله كان أحسن ، وليس كذلك.
أما في علم الباطن ، فلأنه لو بالغ في البذل والتكلّم ، ولم يكن له حالة سكوت وتوجه ليرد عليه العلم فيه ، يلزمه أن يقعد ملوما محسورا ، وقد نفد ما عنده ، مع أنه ليس كلّما يعلم يقال. كما قال أمير المؤمنين عليهالسلام فيما نقل من خطبة له عليهالسلام : «واعلموا أنّ عباد الله المستحفظين علمه يصونون مصونه ، ويفجّرون عيونه ـ إلى آخره» (٤) ، ولا كلّما يقال قد حضر وقته ، ولا كلّما حضر وقته حضر أهله.
وأما في العلم الظاهر ، فلأنه لا بدّ للعالم من زمان فكر وتحصيل له ، وزمان توجه إلى الله سبحانه وفراغ لعباداته وعاداته ، فلا يسع له إلا بذل البعض ، ثمّ البعض ، على أنّ البذل في كل مقام مشروط بشرائط وآداب ومكملات لا تتيسّر في جميع المواضع ، مع أنّ الّذي ينبغي للعالم أن يقتصر في بذل علمه على المقدار الذي
__________________
ـ يزدادون لنفد ما عندهم ، ص ٢٥٣ ـ ٢٥٥ ؛ والبحار ، ج ٢٦ ، باب أنهم ـ عليهمالسلام ـ يزدادون ولو لا ذلك لنفد ما عندهم.
(١) السبأ / ٣٩.
(٢) الاسراء / ٢٩.
(٣) الفرقان / ٦٧.
(٤) نهج البلاغة ، خ ٢١٤ ، ص ٣٣١.