أنفسكم ، وجلاء غشاء أبصاركم ، وأمن فزع جأشكم ، وضياء سواد ظلمتكم ـ إلى أن قال عليهالسلام : ـ فمن أخذ بالتقوى عزبت عنه الشدائد بعد دنوّها ، واحلولت له الامور بعد مرارتها ، وانفرجت عنه الامواج بعد تراكمها ، وأسهلت له الصعاب بعد إنصابها (١) ، وهطلت عليه الكرامة بعد قحوطها وتحدّبت عليه الرحمة بعد نفورها ، وتفجّرت عليه النعم بعد نضوبها ، ووبلت عليه البركة بعد إرذاذها ـ إلى آخر الحديث.» (٢)
و «النصب» بالتحريك : التعب ، والانصاب : الاتعاب. و «الهطل» بالفتح : تتابع المطر المنغرق العظيم القطر ، والمطر الضعيف الدائم ، وتتابع الدمع. و «القحوط» بالضم : احتباس المطر كالقحط بالفتح. و «تحدبت عليه» أي : تعطفت. و «الوبل» بالفتح والوابل : المطر الشديد ، و «وبلت السماء» أي : أمطرت. و «الرذاذ» : المطر الضعيف ، وقيل : هو كالغبار ، على ما وجدناه في بعض الحواشي.
ولا يخفى عليك أنه يمكن إدراجها جميعا تحت الهداية والفلاح المذكورين في الآية ، فانّ كونه «بصرا لعمى الافئدة» و «جلاء لغشاء الابصار» و «ضياء لسواد الظلمة» وغيرها مندرجة تحت عنوان الهداية الّتي يعطيها الله سبحانه ، أو الاولين من أسبابها ، والاخير عين تلك الهداية. وأكثر ما بقي من تلك الخصال تحت عنوان «الفلاح» ؛ إذ هو فوز بالبغية العاجلة والباقية ، وبعضها ذات وجهين يصلح للدخول تحت كل منها ؛ كتفجر النعم وهطل البركة ؛ إذ لو أخذا من المعارف
__________________
(١) خ. ل : «انصبابها».
(٢) نهج البلاغة ، خ ١٩٨ ، ص ٣١٢ ؛ والبحار ، ج ٧٠ ، باب الطاعة والتقوى والورع ، ص ٢٨٣ ، ح ٦.