شيء والكافر : الّذي كفر درعه بثوب ؛ أي : غطاه ولبسه فوقه ، وكل شيء غطّى شيئا فقد كفره. قال ابن السكيت : ومنه سمّي الكافر ؛ لأنه يستر نعم الله عليه ـ إلى أن قال : ـ والكافر : الزارع ؛ لأنه يغطي البذر بالتراب ، والكفار : الزراع.»
أقول : الظاهر على ما صرّح به بعضهم أو جماعة منهم (١) أن أصل الكفر : الستر والتغطية ، كما يشهد له ملاحطة المعاني المذكورة ، فانّ الجامع بينها المشترك بين عناوينها هو ذلك ، بل وغيرها كالكفارة ، فانه يستر الذنب ويغطيه ، كنسبته العفو إليه ، الظاهر كونه من الاندراس والبلى ، والتكفير في مقابل الاحباط فانّه ستر للمعاصي بفعل طاعة ومحوها ، كما أنّ الاقسام الخمسة المذكورة في الحديث كلّها مشتركة في ذلك المعنى ؛ إذ الجحود مع علم وبدونه ستر للحقّ ، وكفر النعم ستر لها ، وتغطية عن نسبتها إلى المنعم بها بترك إظهار بقول أو عمل أو حال أو جحود لها كذلك ، أو ستر المنعم بالنعم واحتجاب عن المنعم بنعمه ، فلا يلاحظها منسوبة إليه ، ولا يعامله معاملة المعطي المنعم ، بل يكون منقطعا إلى النعمة معرضا عن موليها ومعطيها.
وأما الكفر بترك ما أمر الله عزوجل ، فيمكن إدراجه تحت كفر النعم لترك استعماله النعمة المتعلّقة بذلك المأمور به فيما أراده المنعم منه ؛ كالزاد ، والراحلة ، وصحة البدن ، وتخلية السرب ، والفراغ من الاعذار ، ونعمة الهداية ، والايمان بالامر وغير ذلك في مثال الحج. وكنعمة سعة الدار والقدرة وغيرهما في مثال إخراج المجامعين لهم في المذهب من الديار.
ويمكن أن يجعل سترا للتكليف والامر ، حيث انّ الاعراض عن الامتثال وعن الامر ستر له في مقام العمل ، كأنّه ممّن لم يؤمر ولم يرد منه ذلك ، أو سترا عن الامر المكلّف حيث إنه أعرض عن إطاعة مولاه ، كأن مولاه مستور عنه ، أو
__________________
(١) راجع مجمع البيان ، ج ١ ، ص ٤١ ؛ وأنوار التنزيل ، ص ١٠.