وعينان يبصر بهما أمر دنياه ، فاذا أراد الله عزوجل بعبد خيرا فتح له العينين اللّتين في قلبه ، فأبصر بهما الغيب (١) ، وإذا أراد غير ذلك ترك القلب بما فيه. ثمّ التفت إلى السائل عن القدر فقال : هذا منه.» (٢).
والذي يظهر لي في تفصيل المقام أنّ للانسان بصرا باطنيا به يبصر الامور الغيبية بالنسبة إلى هذا المقام ، وسمعا به يسمع الكلمات الخارجة عن كلمات هذا العالم ، وقلبا ينشرح للاسلام ويضيق حرجا كأنّما يصّعّد في السماء ؛ وكما أن لهذا البدن العنصريّ هذه الجوارح الثلاثة ، كذلك في باطنه روح كلّ منها وحقيقته بحيث لا تفاوت بين تلك الجوارح وهذه المحسوسة إلا اللّطافة والكثافة ، والخفّة والثقل. ويشبه أن يكون تلك الجوارح هي للبدن الذي تعيش به في عالم البرزخ ، وأنّ معظم الثواب والعقاب البرزخيين واقع باعتبار ذلك الجسد والقوى ، وأنّ البدن والاعضاء المذكورة ليست ممّا تحدث عقيب الموت حتّى تكون تناسخا ينتقل الروح من بدن إلي آخر ، بل هي ثابتة في باطن هذا العالم ، وواسطة بين الروح اللّطيف غاية اللّطف والبدن العنصريّ الكثيف ، كما يشهد له شواهد كثيرة من السمع والاعتبار ، ليس المقام مقام استقصائها. وملاحظة حال الرؤيا الصادقة التي يتفق للكاملين في التقوى أعدل شاهد على ذلك. فانك ترى في الرؤيا الصادقة عالما آخر ، وتسمع فيها كلمات ، ولك قلب في ذلك العالم ، وليس بالتخيّل وتعملات المتخيلة ، وإلا لما كانت مطابقة للواقع وصادقة ؛ إذ الخيال لا حكاية فيها عن
__________________
(١) خ. ل : «العيب».
(٢) رواه (ره) في التوحيد ، باب القضاء والقدر ، ص ٣٦٦ ، ح ٤ ؛ والخصال ، ج ١ ، ص ٢٤٠ ، ح ٩٠ ، عن الزهري ، عنه ـ عليهالسلام ـ ، ونقله المجلسي في البحار ، ج ٥ ، باب القضاء والقدر ، ص ١١٢ ، ح ٣٩.