الخارج وإن أمكن اتفاق الموافقة ، لكن فرق ظاهر بين ذلك وبين حال الرؤيا الصادقة ، فانها تحكي عن الواقع إما بصورها ، أو بمعانيها ، كما سيرد عليك شيء من التفصيل والبيان فيما يناسبه ـ إن شاء الله تعالى ـ. وتلك العين والسمع والقلب آلات الايمان الحقيقي بالغيب ؛ كما وصف أمير المؤمنين عليهالسلام فيما أورده في نهج البلاغة عنه من قوله عليهالسلام :
«إنّ الله سبحانه جعل الذكر جلاء للقلوب تسمع به بعد الوقرة ، وتبصر به بعد العشوة ، وتنقاد به بعد المعاندة ، وما برح لله ـ عزّت آلاءه ـ في البرهة بعد البرهة ، وفي أزمان الفترات ؛ عباد ناجاهم في فكرهم ، وكلّمهم في ذات عقولهم ، فاستصبحوا بنور يقظة في الابصار والاسماع والافئدة ؛ يذكّرون بأيّام الله ـ إلى أن قال عليهالسلام : ـ
وإنّ للذّكر لأهلا أخذوه من الدنيا بدلا ، فلم تشغلهم تجارة ولا بيع عنه ؛ يقطعون به أيّام الحياة ، ويهتفون بالزواجر عن محارم الله في أسماع الغافلين ، ويأمرون بالقسط ، ويأتمرون به ، وينهون عن المنكر ، ويتناهون عنه ، فكأنما قطعوا الدنيا إلى الاخرة وهم فيها ، فشاهدوا ما وراء ذلك ، فكأنما اطلعوا غيوب أهل البرزخ في طول الاقامة فيه (١) ، وحققت القيامة عليهم عداتها ، فكشفوا غطاء ذلك لأهل الدنيا ، حتى كأنهم يرون ما لا يرى الناس ، ويسمعون ما لا يسمعون ـ إلى آخر الكلام الشريف.» (٢)
__________________
(١) في المخطوطة : «عليهم».
(٢) نهج البلاغة ، خ ٢٢٢ ، ص ٣٤٢ ؛ وهكذا أورد الآمدي (ره) صدره في غرر الحكم ، الفصل التاسع في حرف الالف بلفظ «ان» ، ص ٢٣٨.