ولعلّ الذي يقتضيه دقيق النظر أنّ حقيقة الاستهزاء وروح معناه هو : إظهار ما يوجب خفّة المستهزء به ، وركاكة حالته ، وكونه على حالة يصحّ أن يصير مضحكة للناس ؛ وكشف هذه الحالة عنه استهانة بشأنه وازدراء بقدره وتحقيرا لأمره. وهذا المعنى لا يلزم أن يكون في صورة لفظ خاصّ لظهور تحقّقه بالافعال أيضا ، بل هي أقوى منه ، ولا كونه في صورة الباطل واللّعب وإن كان المتحقّق في الخارج عند العرف نوعا منه.
وهذا المعنى قد تحقّق على المستهزئين من المنافقين حال نفاقهم واستهزائهم ؛ لأنّه ظهر (١) منهم أمر يوجب خفّتهم وركاكة [حالتهم] ، وكونهم على صفة يليق بأن يضحك منه.
وكشف هذه الحالة عنهم استهانة بشأنهم لله ولرسوله وللمؤمنين ، الّذين يرون أعمال العباد ، وللملائكة الّذين يحفظون أعمالهم ، ولسائر شهداء الله على خلقه من المكان والزمان والجوارح وغيرها. وهذا الاظهار والكشف والاستهانة مستمرّة ، ويتجدّد حدوث ظهوره أحيانا لسائر الناس بالتعريضات الّتي ترد عليهم كما قال سبحانه :
(يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ.)(٢)
وظهور هذه الحالة يكمل بعد الموت ، فيظهر باطن أمره لنفسه ولغيره من مجاوريه هناك ، ويتمّ كمالا يوم يقوم الاشهاد وتبلى السرائر ، يوم تشهد عليهم أرجلهم وأيديهم وجوارحهم ، ويرد عليهم الهوان والحقارة والزراية باطنا في المقام المعنويّ الثابت لكلّ أحد على حسب حاله في الدنيا عاجلا. وربّما يظهر أثره
__________________
(١) في المخطوطة : «أظهر».
(٢) التوبة / ٦٤.