وعن ابن بابويه باسناده عن إبراهيم بن أبي محمود ، قال :
سألت أبا الحسن الرضا عليهالسلام عن قول الله تعالى : (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) فقال : «إنّ الله لا يوصف بالترك كما يوصف خلقه ، ولكنّه متى علم أنّهم لا يرجعون عن الكفر والضلالة فمنعهم المعاونة واللّطف خلّا بينهم وبين اختيارهم» (١).
وكأنّه عليهالسلام أراد به أنّ الله لا يوصف بترك المخلوق بحاله ؛ إذ لو ترك وقطع عنه المدد والفيض لم يبق له وجود ، وصار معدوما محضا لم يبق له شيئيّة بخلاف المخلوق الذي يوصف بترك الشيء بحاله ، ودفع التصرف عنه بوجه من الوجوه ، ويصير خارجا عن قبضته وتقليبه وتصرّفه وجريان حكمه عليه. وأمّا الحقّ القيّوم ، فلا يمكن أن يخرج شيء من قبضته وتصرّفه وملكه وقضائه وقدره وفيضه ، لكنّه بعد تمام الحجّة عليه وظهور عدم رجوعه يمنعه المعاونة على الخير واللّطف المقرب إليه ، أو مطلق اللّطف بالمعنى العرفي ، وخلّى بينه وبين اختياره ، وولاه ما تولّى ، وأبقى عليه وجوده واختياره ، وما يتوقّف عليه أحدهما في حال كفره أو عصيانه حتّى صار عاصيا بما أمدّه به وأعطاه وجاريا عليه في ذلك قضاؤه وقدره ، ومحفوظا في حاله ومقامه.
ويمكن أن يكون إشارة إلى أنّ ترك ما من شأنه أن يفعل لا يصدر منه سبحانه كما يصدر من الخلق ، بل علمه بعدم الرجوع أخرجهم عن شأنيّة الاعطاء فمنعوا وتركوا على حالهم ، فهم الموجبون للترك على أنفسهم ، وحرموها عن
__________________
(١) أورده ـ رحمهالله ـ في العيون ، ج ١ ، باب ١١ ، ص ١٠١ ، ح ١٦ ؛ وكذا في الصافي ، ج ١ ، ص ٦٣ ؛ والبرهان ، ج ١ ، ص ٦٥ ، ح ٤ ؛ ونور الثقلين ، ج ١ ، ص ٣٦ ، ح ٢٦.