بالنسبة إلى الاظهار ؛ إذ الاظهار فرع الوجود في القلب. وكما أنّ في الباطن عينا وبصرا كذلك للانسان لسان باطنيّ غيبيّ به يذكر صاحبه الحقّ سبحانه ذكرا باطنيّا ، ويقرأ القرآن كذلك. وكما أنّ للقلب نورا معنويّا به يظهر حقيقة المسموع والمبصر والمعقول ، كذلك للانسان مقام إظهار المعنى بالاشراق من دون كلام لفظيّ. وكما أنّ في القلب والسمع والبصر موانع عن التأثير والادراك الواقعيّ للحقّ كذلك للّسان مرض يمنعه عن الاقرار بالحقّ والاذعان به ، كما أنّ البكم مرض صوريّ يمنعه عن التنطّق.
وحينئذ فيظهر جملة ممّا يتعلّق بالمقام ممّا قدّمناه في الآية السالفة من الوجوه الظاهرية والمعنويّة ، فراجع وتأمّل. ولعلّه يأتي تتمّة البيان في طيّ شرح سائر الآيات المشتملة على نحو من ذلك ـ إن شاء الله تعالى ـ ، هذا.
وفي تفسير القميّ هنا أنّ :
«الصمّ : الّذي لا يسمع ، والبكم : الّذي يولد من أمّه أعمى ، والعمي : الّذي يكون بصيرا ثمّ يعمى» (١).
وهو بظاهره غريب إلّا أن يؤول إلى ما قيل من أنّ : «الاخرس : الّذي خلق ولا نطق له ، والابكم : الّذي له نطق ولا يعقل الجواب». (٢) وذلك بأن يريد من العمى عمى الباطن وعدم تعقّل الكلام ، ومع ذلك فهو أيضا لا يخلو عن بعد. ألا ترى إلى أنّ جماعة من أهل العربيّة ذكروا هنا أنّه لمّا سدّوا عن الاصاخة إلى الحقّ مسامعهم ، وأبوا أن ينطقوا به ألسنتهم ، وأن ينظروا بعيونهم جعلوا كأنّما ألغيت مشاعرهم؟ ويحتمل في المقام وقوع اشتباه في التعبير ، وأنّه كان في الاصل أنّ الابكم هو الّذي يولد من أمّه غير سميع ، والاصمّ الّذي يولد سميعا
__________________
(١) القمي ، ج ١ ، ص ٣٤ ؛ والبرهان ، ج ١ ، ص ٦٥.
(٢) راجع مجمع البحرين.