حججك ، فيبطل عليهم سائر ما قد علموه من الاشياء الّتي يعرفونها ؛ لأنّ من جحد حقا واحدا أدّاه ذلك الجحود [إلى] أن يجحد كلّ حقّ ، فصار جاحده في بطلان سائر الحقوق عليه كالناظر إلى جرم الشمس في ذهاب نور بصره» (١).
وكأنّه يدلّ على أنّ المشبّه بالبرق هو الوجه الثاني من الوجهين المتقدّمين أعني : الهدايات الظاهرة في ألفاظ القرآن والنبي والامام عليهماالسلام ، وفي أفعالهما وسيرتهما وما أشبه ذلك ، وأنّ اختطاف ذلك البرق بصائرهم لأنّهم لم يكونوا ناظرين إليها نظر المستهدي الطالب للحقّ والسلوك فيه ، بل هم معرضون عن طلب النجاة والفلاح لأنفسهم ، وسلوك الصراط المستقيم المؤدّي إلى كلّ خير ، والنجاة من كلّ شرّ ؛ وإنّما ينظرون إلى نفس تلك العلامات ملتزمين بتركها متأبّين عن قبولها ؛ كالمسافر المعرض عن طلب الطريق الفاتح بصره نحو البرق ، فانّه في معرض ذهاب البصر ، كذلك المنافقون الجاحدون للنبوّة أو الولاية أو الشاكّون فيها نظروا إلى تلك الآيات من حيث هي مع إعراضهم عن قبولها ، فتكاد تلك الآيات أن يخطف بصائرهم بالكلّيّة وتسلبهم عقولهم وألبابهم. وذلك لأجل خروجهم بذلك عن مقتضى الفطرة الصحيحة القاضية بتطلّب الفلاح والنجاة لصاحبها ، الّذي هو أعزّ النفوس عنده ، وقبوله بعقله والتزامه إيّاه. فاذا وقع إدراكه على طريقه وأبى وجحد وأقدم على الحرمان من جميع الخيرات ، والوقوع في كلّ شرّ استكبارا وعنادا ، وتكرّر ذلك في حقّه بترادف ظهور الآيات ، وتواتر الاصرار على الجحود والانكار ، أدّى ذلك إلى تغيّر الفطرة الاولى في الطلب والقبول والالتزام بمقتضى تعوّد مخالفتها في أهمّ مقتضياتها ، فصار عدوّا لنفسه لا يطلب خيرها ولا دفع شرّها
__________________
(١) راجع المصادر المذكورة فى تعليقة ١ ص ٥٨٦.