قال الله عزوجل : يا محمّد «إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قال الله تعالى قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ» (١) بحكمه النافذ وقضائه ، ليس ذلك لشؤمي ولا ليمني» (٢).
وأقول :
لمّا كان من جملة تلك الآيات المشبّهة بالبرق البركات والخيرات المترتّبة على الهدى والحقّ ودين الاسلام كما يشهد به ملاحظة حال أهل المدينة وغيرهم قبل الهجرة ، وملاحظة أحوالهم المتأخّرة عنها حيث أرخت الدنيا عليهم عراسيها ، وأقبلت عليهم بجميع شؤونها من كثرة المال ، وبسط الجاه والرخاء والسعة ، وارتفاع أسباب الفساد الّتي كانت قبله ، وسائر البركات والخيرات ، مضافا إلى المعجزات الخاصّة ، التي ظهر في نصر الاسلام وإصلاح أمور المسلمين المتعلّقة بدنياهم ، وإلى سبق الاخبار بوقوعها من القرآن أو كلام الرسول صلىاللهعليهوآله ، فيكون وقوع المخبر به على حسب الاخبار السابق دليلا على صحّة النبوّة.
ولمّا كان المنافقون معرضين عن الآخرة مقصوري الهمم على أمور الدنيا فلا تضيء لهم الحجج إلا ما كان من هذا القبيل ، وإضائته لهم ظهور تلك الآثار الدنيويّة عليهم ، وهم يمشون في ضوئه ، ويسيرون في ظاهر أحكام الاسلام متمسّكين به طلبا لتلك الخيرات العاجلة ، الّتي ظهرت لهم أنّ وصولها إليهم ببركة إظهارهم الاسلام ، والتزامهم بأحكامه ، الّتي من جملة عظامها قبول الولاية ظاهرا والاقرار اللّسانيّ بها ، وكذا ما ظهر لهم كونه من طرف كلّ حكم من أحكام الاسلام ، وكلّ شأن من شؤونه ، كما يشاهد كثيرا من ترتّب الخيرات على الصدقات ، وإقأمة
__________________
(١) النساء / ٧٨.
(٢) راجع المصادر المذكورة في تعليقة ١ ص ٥٨٦.