خاليا عن وجه.
وأما ما قيل هنا من أنهم : «إذا آمنوا صار الايمان لهم نورا ، فاذا ماتوا عادوا إلى ظلمة العقاب» (١) ، فهو أيضا بظاهره بعيد ؛ إذ إظهار اسلام مع الكفر الباطني الذي اتصف به المنافق ليس نورا ، ولا يضيء لهم شيئا ، مع عدم ظهور المناسبة بين قيام أصحاب الصيب ، العود إلى ظلمة العقاب.
ولعلّه أراد بذلك إجراء نظير الجملتين في سائر مراتب النفاق ، الواقعة برزخا بين الايمان الخالص والكفر المحض.
فالمناسب حينئذ أن يقول : إنّهم يسيرون تارة في ضوء الايمان ، ويمكثون أخرى ، كما في المثل المعروف : «أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى» ؛ إذ لا ثبات لحالهم ودواعيهم ومقاماتهم ، كما مرّ بيانه في ذيل الآيات السابقة.
وربما يجعل الجملتان تمثيلا لشدة الامر على المنافقين بشدته على أصحاب الصيب ، وما هم فيه من غاية التحيّر والجهل بما يأتون ، وما يذرون إذا صادفوا من البرق خفقة (٢) ، مع خوف أن يخطف أبصارهم انتهزوها فرصة ، فخطّوا خطوات يسيرة ، فاذا خفي وفتر لمعانه بقوا واقفين متقيدين عن الحركة.
ويجري نظير هذا البيان في سائر أقسام النفاق ، بل في غير ما خصّ الايمان الّذي أخلص نفسه لله فاستخلصه ، وصار من معادن دينه وأوتاد أرضه ؛ كما ورد هذا الوصف في كلام أمير المؤمنين عليهالسلام على ما ببالي (٣). فانّ من عدا ذلك المؤمن لا يخلوا عن تحيّر في أمر دينه ، وجهل يرشده ، وغيّ (٤) ولو في بعض الموارد و
__________________
(١) نفس المصدر.
(٢) خفق البرق : لمع (منه ره).
(٣) راجع نهج البلاغة ، خ ٨٧ ، ص ١١٩ ؛ وكلامه ـ عليهالسلام ـ هو : «قد أخلص لله فاستخلصه ، فهو من معادن دينه ، وأوتاد أرضه».
(٤) في المخطوطة : «غيه».