سبحانه لجحودهم ذلك ، بل يجعلون المقامين من البخت والشؤم ، فيلزمهم المشي عند ظهور آثار ما يرونه بختا ، والوقوف والتثاقل عند خلافه.
وهذا يجري نظيره في حقّ كلّ عامل يعمل بالدين لأجل المنافع الدنيويّة في كلّ مقام ، ولا ينظر إلى كونه وصلة إلى الآخرة سواء اعتقد كونه حقّا في الواقع موصلا إلى الجزاء الاخرويّ أم لا ؛ كالمجاهد لأجل الغنيمة ، والحاجّ للتجارة ، ومعطي الزكاة والخمس لأجل بركة المال وعدم تلفه ، والساعي في ترويج الدين للمال والجاه ، والمحصل للعلم لأحدهما وغير ذلك ، ومقيم مجلس العزاء للبركة ودفع البليات وقضاء الحاجات. فانّه كلّما ظهر لهم ترتب مقاصدهم على ما فعلوه مشوا على الطريقة التي فعلوها. وإذا افتقدوا تلك الآثار قاموا وثبتوا عنه ، هذا.
ولو جعل البرق مشبها بالبشارات العاجلة كما احتملناه سابقا ، فالامر في الجملتين أوضح وأظهر ، كما يظهر بملاحظة ما تقدّم.
ولعلّه بهذه الملاحظة ذكر بعضهم في وجه المشابهة هنا أنه : «كلّما دعوا ـ يعني : المنافقين ـ إلى خير وغنيمة أسرعوا ، وإذا وردت شدّة على المسلمين تحيّروا لكفرهم ، ووقفوا كما وقف أولئك في الظلمات متحيرين» (١).
وأمّا ما قيل من : «أنهم اليهود لما نصر المسلمون ببدر قالوا : هذا الذي بشّر به موسى عليهالسلام ، فلما نكبوا بأحد وقفوا وشكوا» (٢) ، فبعيد جدّا حيث أنّ مساق هذه الجمل في صفة المنافقين وبيان حالهم لا الكفار.
نعم ، لو جعلهم المنافقين المتردّدين باطنا ، المظهرين للايمان ، المصغين إلى كلام اليهود ، أو المتخيلين نظير ما صدر منهم ، أو القائلين به في خفاياهم ، لم يكن
__________________
(١) راجع مجمع البيان ، ج ١ ، ص ٥٩.
(٢) نفس المصدر.