أو لنداء ما ليس بقريب حقيقة أو تقديرا ، لكونه ساهيا أو غافلا أو نائما ، أو لتبعيد المنادى عن ساحة عزّة المنادي هضما واستقصارا ؛ كقول الداعي في جواره : «يا ربّ ، يا الله» ، مع أنّه أقرب إليه من حبل الوريد كما ذكره آخر.
وفي الصحاح : «ان «يا» حرف ينادي به العرب القريب والبعيد ؛ يقول : يا زيد أقبل». وهذا لا ينافي ما قبله ، بل الاوّل أيضا ؛ لانّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة الاصليّة.
ويمكن إرجاع الثاني إلى الاول ، فانّه بعد فرض القريب بعيدا ، وتقديره وتنزيله منزلته باحدى الجهات المتقدمة يعبّر معه ما كان يعبّر به لو كان بعيدا حقيقة ، فيكون نظير الاستعارة على مذهب السكاكي في كونها حقيقة لغوية وإن كان مخالفا للأصل على ما حقّق في محلّه.
ويمكن إرجاع الاول إلى الثاني بتعميم البعد للبعد المكاني وما بمنزلته ؛ ككون المخاطب من وراء حجاب حسيّ أو معنويّ حقيقيّ ، أو اعتباريّ تحقيقيّ أو تنزيلي. ونظير هذين الوجهين يجري في أكثر الحروف ؛ كدلالة «في» على الظرفيّة ، فيجري فيها احتمال اختصاصها بالظرفيّة الحقيقيّة الحسّيّة بحسب الاصل ، وتعميمها لها وللظرفيّة المعنويّة والاعتباريّة والتنزيليّة الفرضيّة ، كما هو أكثر مجاري إطلاقها.
وعلى كلّ حال فكثرة نداء الله سبحانه عباده عموما وخصوصا بهذه الكلمة المنبئة عن بعد ما للمنادى على ما تقدّم ، يحتمل أن يكون للبعد المعنويّ الواقع بين العبد والحقّ ، وأيّ مناسبة بين الحقّ المطلق المستجمع لجميع الصفات الكماليّة ، بحيث لا يشاركه فيها شريك المتوحّد بالتوحيد الذاتيّ والصفاتيّ والافعاليّ بالمعاني المقرّرة في محلّه ، والممكن الّذي ليس له في مرتبة ذاته وفي حدّ نفسه سوى إمكان الشيئيّة بالامكان العقليّ وفاعليّته ، الفقير المطلق في ذاته