ووجوده وأوصافه وتأثيراته لو أثبتناه له بذاته ، وما يتوقّف عليه شيء من أموره ، العادم لكلّ كمال وخير من عند نفسه؟
أو للبعد الحاصل للعبد باعتبار نزوله في العوالم إلى هذا العالم الادنى ، وما ترتّب عليه ، الّذي لعلّه المراد من قوله سبحانه : (ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ)(١). أو لاحتجابه عنه سبحانه بغفلته وآماله وأخلاقه وأعماله المظلمة وأنيّة نفسه ، ونومه في مرقد الطبيعة ، وسهوه عمّا يراد منه ، وما شاكل ذلك من أسباب البعد المكتسب ، سوى ما هو من لوازم الكون الدنيوي.
ثمّ إنّه يشبه أن يكون حقيقة النداء والدعاء الّذي ينوب عنه حروف النداء ويؤدى بها هو : طلب توجّه المنادى ـ بالفتح ـ نحو المنادي وإقباله إليه ، وتنبّهه والتفاته إلى جانبه ، وأن يكون حروف النداء مجعولة آلة لانشاء ذلك الطلب ، وسببا لايقاعه ، كما هو الانسب بجملة من كلماتهم ، أو آلة لحصول نفس المطلوب من التوجّه والاقبال في ظرف الواقع ، كما هو الانسب بجملة من مجاري استعمالاتها ؛ كنداء النائم لايقاظه. وبكونها حروفا لا تدلّ على المعاني في أنفسها ، ولو كانت آلات لانشاء الطلب ، لم يظهر فرق بينها وبين «أدعو» و «أنادي» المستعملين في المعنى الانشائيّ ؛ كظهور الفرق بينهما على الوجه الثاني. ونيابتها عنهما باقية بحالها على الوجهين في الجملة وإن كانت على الاول أقوى وأظهر.
وحينئذ فنقول : بناء على ما ذكر يكون حقيقة نداء الله سبحانه لعباده طلبه سبحانه توجّهم إليه ، وإقبالهم نحوه ، وانصرافهم عمّا يلهيهم عن ذكره ويشغلهم عنه إلى جنابه ، ودعائهم إليه. وهو عناية عامّة لجميع الناس على اختلافهم في مراتب القابليّات والاستعدادات.
__________________
(١) التين / ٥.