والناس في قبول النداء والدعاء على مراتب لا تحصى بحسب الصفات الذاتيّة والكسبيّة ومقاماتهم ودرجاتهم. فمنهم : المستغرق في التوجّه ، اللاهي عن نفسه فضلا عن غيره ؛ ومنهم : الناسي لربّه نسيانا أداه ذلك إلى إنساء الله إيّاه نفسه ، حتّى كأنّه إذا سمع أسمائه سبحانه يكاد لا يلتفت بقلبه إلى أنّ لتلك الالفاظ معنى. وبينهما درجات غير محصورة.
وهذا المعنى إذا ظهر في عالم الالفاظ وأظهر بها كان إنشاء للطلب ، كما في لفظ «أدعوا» وحروف النداء على الوجه الاوّل ، وإذا ظهر تأثيره بتوسّط الآلات الحرفيّة كان نداء لهم بها على الوجه الثاني. وإذا نقّحت المناط بين تلك الحروف وغيرها وبين سائر ما يكون آلة لحصول التوجّه والاقبال نحو جنابه إذا أوجدها الحقّ لأجل ذلك ، وحينئذ فيصلح جميع صنائع الله سبحانه من الجواهر والاعراض باعتبار دلالتها العقلية على فاعلها وجاعلها وصانعها ومدبّرها ، وإنّ من شأنها تنبيه النفوس الطاهرة إلى تذكّر ربّها أن تكون نداء منه سبحانه ودعاء لعباده في الكتاب التكوينيّ المطابق للقرآن ، وكذا مناد وداع ينادي ويدعوا إلى الله سبحانه بأمره وإرادته جلّ وعزّ ، لا بارادة نفسه وميل ذاته ، فتبصّر.
ثمّ إنّ هذا الالتفات والتوجّه في العباد الّذي هو المقصود بالنداء شرط تنجّز التكاليف وتوجّه الخطابات اللّبّيّة على المكلّفين كما بيّن في علم الاصول. فيكون تقديم أداته أو طلبه على الوجهين في لفظ القرآن على ما يدل على تلك التكاليف والخطابات مطابقا لمرتبة المعنيين عقلا. وكذا هو مقدّم على الائتمار بتلك الاوامر والتكاليف والتأثّر بتلك المخاطبات وحصول ما هو الغرض من إيراد الكلام بل هو مفتاح جميع الفيوضات والترقيات والكمالات ، كما أنّ الغفلة عن الله سبحانه واللهو عن ذكره مبدء كلّ خسارة وحرمان وشقاء.
ثمّ إنّ في ائتلاف حروف النداء بالاسم المنادى مع ما الحرف عليه من