هلاك وشرّ.
ومن هذا البيان يظهر لك وجه ارتباط جملة «لعلّكم» بالحث والامر بالعبادة على الوجه الاول كظهوره علي الوجه الثاني ؛ إذ صيانة النفس عن المهالك خصوصا مهلكة الوقوع في نار الآخرة من أعظم البواعث على التزام ما ينجي منها وهو العبادة ، ومن أوضح الجهات العقليّة لوجوب الطاعة وترك المخالفة ، حتّى ربّما ظنّ جماعة ممّن عاصرناهم من مشائخ الاصوليّين أن مناط وجوب طاعة الله سبحانه عقلا هو التحرز عن الضرر المخوف ، وهو وإن كان عندنا فاسدا ، كما يظهر من التأمّل فيما فصّلناه هنا وفي كلمة الجلالة وغيرها ، لكنّه مؤيّد لكونه من أوضح الجهات العقليّة.
ولك تصوير الملازمة من الطرف الآخر وجعل الوجه الاول مدلولا التزاميا للثاني. وذلك لأنّهم إذا كانوا مأمورين بالعبادة والطاعة لخالقهم كانوا مخلوقين له ؛ إذ لا يليق أمر المخلوق بغير غاية خلقه التي خلق لأجلها ، أو باعتبار أنّهم إذا كانوا مأمورين بالعبادة لتحصيل النجاة وكانوا مخلوقين لذلك ؛ إذ لم يخلقوا عبثا ولا لمنفعة تعود إلى خالقهم ولا للهلاك ، فتعين كونهم مخلوقين للفلاح والخير الخالص كما برهن عليها في محلّه. فاذا كان طريق ذلك هو العبادة كانوا مخلوقين لها.
ثمّ لا يخفى عليك أن للتقوى حقيقة واقعيّة يصحّ أن تجعل غاية للأمر بالعبادة ، وهي مناط الوقاية الباطنيّة عن المهلكات الباطنيّة ، وكأنّها بذر ومعنى للنجاة الحسيّة عن النيران المحسوسة في النشأة الآخرة. ولعلّه يتضح لك شرح ذلك فيما بعد ـ إن شاء الله تعالى ـ.
ويمكن إدراجه في بعض مراتب اللّفظ المتقدم ؛ إذ هو تقوى عن نار معنوية ، فيصحّ إدراجه تحت باطن اللّفظ وإن خرج عن ظاهر قشره ، فلا تغفل.