واعتبر ذلك بما يصيب الناس حين الزلازل على قلّة مكثها ، حتّى يصيروا إلى ترك منازلهم والهرب عنها.
فان قال قائل : فلم صارت هذه الارض تزلزل؟ قيل له : إنّ الزلزلة وما أشبهها موعظة وترهيب يرهب بها الناس ليرعووا عن المعاصي ، وكذلك ما ينزل بهم من البلاء في أبدانهم وأموالهم يجري في التدبير على ما فيه صلاحهم واستقامتهم ، ويدّخر لهم إن صلحوا من الثواب والعوض في الآخرة ما لا يعدّ له شيء من أمور الدنيا ، وربّما عجّل ذلك في الدنيا إذا كان ذلك في الدنيا صلاحا للعامّة والخاصة.
ثم إنّ الارض في طباعها الّذي طبعها الله عليه باردة يابسة ، وكذلك الحجارة. وإنّما الفرق بينها وبين الحجارة فضل يبس في الحجارة ؛ أفرأيت [لو] أنّ اليبس أفرط على الارض قليلا حتّى تكون حجرا صلدا أكانت تنبت هذا النبات الّذي به حياة الحيوان؟ وكان يمكن بها حرث أو بناء؟ أفلا ترى كيف نقصت عن يبس الحجارة وجعلت على ما هو عليه من اللين والرخاوة ليتهيّأ للاعتماد؟
ومن تدبير الحكيم جلّ وعلا في خلقة الارض أنّ مهبّ الشمال أرفع من مهبّ الجنوب ، فلم جعل الله الارض كذلك إلا لتنحدر المياه على وجه الارض ، فتسقيها وترويها ، ثمّ تفيض آخر ذلك إلى البحر؟ فكما يرفع أحد جانبي السطح ويخفض الآخر لينحدر الماء عنه ولا يقوم عليه ، كذلك جعل مهبّ الشمال أرفع من مهبّ الجنوب لهذه العلّة بعينها ،