اسم فاعل من «أحسن» ، والمحسن من صحّح عقد توحيده ، وأحسن سياسة نفسه ، وأقبل على أداء فرائضه ، وكفى المسلمين شره.
وقال بعض المفسرين : معناه : من كان محسنا جازيناه بالإحسان إحسانا ، أو زيادة كما جعل للحسنة عشرا وأكثر.
وقيل : من كان محسنا بهذه الطاعة والتوبة ، فإنا نغفر خطاياه ، ونزيده على غفران الذنوب إعطاء الثواب الجزيل ، وفيه وجه آخر أن المعنى من كان خاطئا غفرنا له ذنبه بهذا الفعل ، ومن لم يكن خاطئا ، بل كان محسنا زدنا في إحسانه.
قوله : (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ).
لا بدّ في هذا الكلام من تأويل ؛ إذ الذّم إنما يتوجه عليهم إذا بدّلوا القول الذي قيل لهم ، لا إذا بدّلوا قولا غيره.
فقيل : تقديره : فبدل الذين ظلموا بالذي قيل لهم قولا غير الذي قيل لهم ف «بدّل» يتعدّى لمفعول واحد بنفسه ، وإلى آخر بالباء ، والمجرور بها هو المتروك ، والمنصوب هو الموجود ، كقول أبي النجم : [الرجز]
٥١٧ ـ وبدّلت والدّهر ذو تبدّل |
|
هيفا دبورا بالصّبا والشّمأل (١) |
فالمتطوع عنها الصّبا ، والحاصل لها الهيف.
قاله أبو البقاء وقال يجوز أن يكون «بدل» محمولا على المعنى ، تقديره : فقال الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم ؛ لأن تبديل القول كان بقول «فنصب» غير عنده في هذين القولين على النّعت ل «قولا».
وقيل : تقديره : فبدل الذين قولا بغير الذي ، فحذف الحرف ، فانتصب «غير».
ومعنى التّبديل : التغيير كأنه قيل : فغيروا قولا بغيره ، أي جاءوا بقول آخر ، فكان القول الذي أمروا به ، كما يروا في القصّة أنهم قالوا : بدل حطّة حنطة.
والإبدال والتبديل والاستبدال : جعل الشيء مكان آخر ، وقد يقال : التبديل : التغيير ، وإن لم يأت ببدله.
وقد تقدم الفرق بين بدل وأبدل ، وهو أن بدّل بمعنى غيّر من غير إزالة العين ، وأبدل تقتضي إزالة العين ، إلا أنه قرىء : (عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا) [القلم : ٣٢] (فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما) [الكهف : ٨١] بالوجهين ، وهذا يقتضي اتّحادهما معنى لا اختلافهما والبديل والبدل بمعنى واحد ، وبدله غيره.
__________________
(١) ينظر خزانة الأدب : ٢ / ٣٩١ ، والخصائص : ١ / ٣٣٦ ، شرح شواهد المغني : ١ / ٤٥٠ و ٢ / ٨٠٨ ، والطرائف الأدبية : ٥٨ ، وبلا نسبة في الدرر : ٤ / ٢٦ ، ولسان العرب : ١١ / ٤٩ [بدل] ، ومغني اللبيب : ٣ / ٣٨٧ ، وهمع الهوامع : ١ / ٢٤٨ ، الدر المصون : ١ / ٢٣٤.