الكتب وقت خروجه ، ومكان خروجه ، وسائر التّفاصيل المتعلّقة بذلك ، أو لم يذكر شيء من ذلك.
فإن كان الأول كان [ذلك](١) النص نصّا جليّا واردا في كتب منقولة إلى أهل العلم بالتواتر ، فيمتنع قدرتهم على الكتمان ، ويلزم أن يكون ذلك معلوما بالضرورة من دين الأنبياء المتقدمين.
وإن كان الثاني لم [يدلّ](٢) ذلك النّص على نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم لاحتمال أن يقولوا : إن ذلك المبشّر به سيجيء بعد ذلك على ما هو معتقد جمهور اليهود.
والجواب : قال ابن الخطيب (٣) : «لم يكن منصوصا عليه نصّا جليّا يعرفه كل أحد ، بل كان منصوصا عليه نصّا خفيّا ، فلا جرم لم يلزم أن يعلم ذلك بالضّرورة من دين الأنبياء المتقدّمين».
قوله : (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ).
«إياي» ضمير منصوب منفصل ، وقد عرف ما فيه في «الفاتحة» ، ونصبه بفعل محذوف يفسره الظاهر بعده ، والتقدير : «وإياي ارهبوا فارهبون» ، وإنما قدرته متأخرا فيه ؛ لأن تقديره متقدما عليه لا يحسن لانفصاله ، وإن كان بعضهم قدره كذلك.
والفاء في «فارهبون» فيها قولان للنحويين :
أحدهما : أنها جواب أمر مقدر تقديره : تنبّهوا فارهبون ، وهو نظير قولهم : «زيدا فاضرب» أي : تنبه فاضرب زيدا ، ثم حذف «تنبه» ، فصار : فاضرب زيدا ، ثم قدم المفعول إصلاحا للفظ ؛ لئلا تفع الفاء صدرا (٤) ، وإنما دخلت الفاء لتربط هاتين الجملتين.
والقول الثاني في هذه «الفاء» : أنها زائدة.
وقال «أبو حيان» بعد أن حكى القول الأول : فتحتمل الآية وجهين :
أحدهما : أن يكون التقدير : «وإيّاي ارهبوا تنبهوا فارهبون» ، فتكون «الفاء» حصلت (٥) في جواب الأمر ، وليست مؤخّرة من تقديم.
والوجه الثاني : أن يكون التقدير : وتنبّهوا فارهبون ، ثم قدّم المفعول فانفصل ، وأتى بالفاء حين قدّم المفعول ، وفعل الأمر الذي هو «تنبهوا» محذوف ، فالتقى بعد حذفه الواو والفاء ، يعني : فصار التقدير : «وفإياي ارهبوا» ، فقدم المفعول على الفاء إصلاحا للفظ ، فصار : «وإيّاي فارهبوا» ، ثم أعيد المفعول على سبيل التّأكيد ، ولتكمل الفاصلة ، وعلى
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : يذكر.
(٣) ينظر الرازي : ٣ / ٣٤.
(٤) في ب : صدورا.
(٥) في ب : دخلت.