وقيل : هو ما أثبته في الكتب المتقدّمة في صفة محمد صلىاللهعليهوسلم وأنه سيبعثه على ما قال في سورة المائدة : (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) إلى قوله : (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) [المائدة : ١٢].
وقال في سورة الأعراف : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) [الأعراف : ١٥٦] إلى قوله : (وَالْإِنْجِيلِ) [الأعراف : ١٥٧] وأما عهد الله معهم ، فهو أن يضع عنهم إصرهم والأغلال ، لقوله : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ) [آل عمران : ٨١] الآية وقال تعالى : (وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ) [الصف : ٦].
وقال ابن عباس رضي الله ـ تعالى ـ عنهما : [إن الله تعالى](١) كان عهد إلى بني إسرائيل في التّوراة أني باعث من بني إسماعيل نبيّا أميا ، فمن تبعه وصدّق بالنور الذي يأتي به ـ أي القرآن ـ [أغفر له ذنبه ، وأدخله](٢) الجنّة ، وجعلت له أجرين ؛ أجرا باتباع ما جاء به موسى وجاءت به أنبياء بني إسرائيل ، وأجرا [باتباع](٣) ما جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم [النبي الأمي] من ولد إسماعيل ، وتصديق هذا في القرآن في قوله تعالى : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ) [القصص : ٥٢] إلى قوله : (أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا) [القصص : ٥٤].
وتصديقه أيضا بما روى أبو موسى الأشعري ـ عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «ثلاثة يؤتون أجرهم مرّتين بما صبروا : رجل من أهل الكتاب آمن بعيسى ، ثم آمن بمحمّد صلىاللهعليهوسلم [فله أجران](٤) ، ورجل أدّب أمته فأحسن تأديبها ، وعلّمها فأحسن تعليمها ، ثم أعتقها فتزوّجها ، فله أجران ، وعبد أطاع الله ، وأطاع سيّده فله أجران» (٥).
فإن قيل : إن كان الأمر هكذا ، فكيف يجوز جحده من جماعتهم؟
فالجواب من وجهين :
الأول : أنّ هذا العلم كان حاصلا عند العلماء في كتبهم ، لكن لم يكن منهم عدد كثير ، فجاز منهم كتمان ذلك.
الثاني : أن ذلك النصّ كان خفيّا لا جليّا ، فجاز وقوع الشّكّ فيه.
فإن قيل : الشخص الموعود به في هذه الكتب ، إما أن يكون قد ذكر في هذه
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : غفرت له ذنبه وأدخلته.
(٣) سقط في ب.
(٤) سقط في أ.
(٥) أخرجه الترمذي (٣ / ٤٢٥) رقم (١١١٦) والنسائي (٦ / ١١٥) وأحمد (٤ / ٤٠٥) والدارمي (٢ / ١٥٥) وأبو عوانة (١ / ١٠٣) والحميدي (٧٦٨) والطبراني في «الأوسط» (١ / ٤٤) عن أبي موسى الأشعري مرفوعا وقال الترمذي : حديث حسن صحيح.