قال ابن الخطيب : وهو الأقرب ، ثم لهم قولان :
أحدهما : أنّ الله خلق هذا العالم ، وأمر بتعظيم هذه الكواكب واتخاذها قبلة الصلاة ، والدعاء والتعظيم.
والثاني : أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ خلق الأفلاك والكواكب ، وجعل الكواكب مدبرة لما في هذا العالم من الخير والشر ، والصحة والمرض ، فيجب على البشر تعظيمها ؛ لأنها هي الآلهة المدبرة لهذا العالم.
قوله : (مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً) آمن : صدق. و «من» في قوله: (مَنْ آمَنَ) في موضع نصب بدل من (الَّذِينَ آمَنُوا). والفاء في قوله : «فلهم» داخلة بسبب الإبهام الذي في «من».
وقيل : في موضع رفع بالابتداء ، ومعناها الشرط ، و «آمن» في موضع جزم بالشرط ، و «الفاء» جواب و «لهم أجرهم» خبر «من» والجملة كلها خبر «إن» ، والعائد على «الذين» محذوف تقديره : من آمن منهم بالله ، وحمل الضمير على لفظ «من» فأفرد ، وعلى المعنى في قوله : (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) فجمع ؛ كقوله : [الطويل]
٥٥٥ ـ ألمّا بسلمى عنكما إن عرضتما |
|
وقولا لها : عوجي على من تخلّفوا (١) |
وقال الفرزدق : [الطويل]
٥٥٦ ـ تعال فإن عاهدتني لا تخونني |
|
نكن مثل من يا ذئب يصطحبان (٢) |
[فراعى المعنى](٣) وقد تقدم تحقيق ذلك [عند] قوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا) [البقرة : ٨] والأجر في الأصل مصدر يقال : أجره الله يأجره أجرا ، وقد يعبر به عن نفس الشيء المجازى به ، والآية الكريمة تحتمل المعنيين.
والمراد بهذه العنديّة أن أجرهم متيقّن جار مجرى الحاصل عندهم.
قوله : (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) فقيل : أراد زوال الخوف [عنهم] في الدنيا.
وقيل : الآخرة وهو أصح ؛ لأنه عامّ في النفي ، وكذا قوله : (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ، وهذه لا تحصل في الدنيا ؛ لأنّ المكلف في الدنيا لا ينفك من خوف وحزن ، إما في
__________________
(١) ينظر البيت في القرطبي : ١ / ٢٩٥ ، الدر المصون : ١ / ٢٤٨.
(٢) ينظر ديوانه : ٢ / ٣٢٩ ، وتخليص الشواهد : ص ١٤٢ ، والدرر : ١ / ٢٨٤ ، وشرح أبيات سيبويه : ٢ / ٨٤ ، وشرح شواهد المغني : ٢ / ٥٣٦ ، ٨٢٩ ، والكتاب : ٢ / ٤١٦ ، ومغني اللبيب : ٢ / ٤٠٤ ، والمقاصد النحوية : ١ / ٤٦١ ، والخصائص : ٢ / ٤٢٢ ، وشرح الأشموني : ١ / ٦٩ ، وشرح المفصل : ٢ / ١٣٢ ، ٤ / ١٣ ، والصاحبي في فقه اللغة : ص ١٧٣ ، ولسان العرب (منن) ، والمحتسب : ١ / ٢١٩ ، والمقتضب : ٢ / ٢٩٥ ، ٣ / ٢٥٣ ، والدر المصون : ٢ / ٦٥.
(٣) سقط في ب.