وتكون «لو لا» أيضا حرف تحضيض فتختص بالأفعال ، وسيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى.
و «لو لا» هذه تختص بالمبتدأ ، ولا يجوز أن يليها الأفعال ، فإن ورد ما ظاهره ذلك أوّل ؛ كقوله : [الوافر]
٥٥٨ ـ ولو لا يحسبون الحلم عجزا |
|
لما عدم المسيئون احتمالي (١) |
وتأويله أن الأصل : «ولو لا أن تحسبوا» فلما حذفت أن ارتفع الفعل ؛ كقوله : [الطويل]
٥٥٩ ـ ألا أيّهذا الزّاجري أحضر الوغى |
|
.......... (٢) |
أي : «أن أحضر» (٣).
__________________
(١) ينظر الدر المصون : ١ / ٢٤٩.
(٢) صدر بيت لطرفة بن العبد وعجزه :
وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي
ينظر ديوانه : (٣٢) ، والكتاب : ٣ / ٩٩ ، والمقتضب : ٢ / ٨٥ ، ومجالس ثعلب : ١ / ٣١٧ ، أمالي ابن الشجري : ١ / ٨٣ ، الصاحبي : (١٧٨) ، الإنصاف : ٢ / ٥٢٠ ، وابن يعيش : ٢ / ٧ ، وابن عقيل : ٢ / ٣٦٢ ، الهمع : ١ / ٥ ، والدرر : ١ / ٣ ، الفراء : ٣ / ٢٦٥ ، سر صناعة الإعراب : ١ / ٢٨٦ ، والعيني : ٤ / ٤٠٢ ، شرح القصائد العشر : ١٣٢ ، المحتسب : ٢ / ٣٣٨ ، شذور الذهب : ١٥٣ ، شرح أبيات المغني : ٥ / ٥٨.
(٣) استشهد بهذا البيت على نعت «أي» باسم الإشارة ، ثم نعت اسم الإشارة بالاسم المحلى بالألف واللام ، وهذا هو الغالب إذا نعت «أي» باسم الإشارة (شذور الذهب ـ ١٩٩).
وفي البيت شاهد آخر : وهو انتصاب الفعل المضارع الذي هو قوله : (أحضر) بأن المصدرية المحذوفة ، وذلك عند من روى هذا الفعل بالنصب وهم الكوفيون ، والذي سهل النصب مع الحذف ذكر «أن» في المعطوف ، وهو قوله : «وأن أشهد اللذات» ونظيره : «تسمع بالمعيدي خير من أن تراه» بنصب «تسمع» ويستدلون بقراءة عبد الله بن مسعود : «وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدوا إلا الله» فنصب تعبدوا بأن مقدرة ؛ لأن التقدير فيه : ألّا تعبدوا إلا الله ، فحذف «أن» وأعملها مع الحذف ، فدل على أنها تعمل النصب مع الحذف ؛ وكذلك الشاهد في هذا البيت على رواية النصب.
فأما البصريون : فيروون البيت برفع «أحضر» ؛ لأنهم لا يجيزون أن ينتصب الفعل المضارع بحرف محذوف ؛ لأن نواصب المضارع عوامل ضعيفة لا تعمل إلا وهي مذكورة ، والذي يدلّ على ذلك أنّ «أنّ» المشدّدة لا تعمل مع الحذف ، ف «أن» الخفيفة أولى ألّا تعمل ؛ وذلك لوجهين : أحدهما : أنّ «أنّ» المشددة من عوامل الأسماء ، و «أن» الخفيفة من عوامل الأفعال ، وعوامل الأسماء أقوى من عوامل الأفعال ، وإذا كانت «أنّ» المشددة لا تعمل مع الحذف ، وهي الأقوى ، فألّا تعمل «أن» الخفيفة مع الحذف وهي الأضعف ، كان ذلك من طريق الأولى. والثاني : أنّ «أن» الخفيفة إنما عملت النصب ؛ لأنها أشبهت «أنّ» المشددة ، وإذا كان الأصل المشبه به لا ينصب مع الحذف ، فالفرع المشبه أولى ألا ينصب مع الحذف ؛ لأنه يؤدي إلى أن يكون الفرع أقوى من الأصل ، وذلك لا يجوز ـ وبقية خلاف البصريين والكوفيين في الإنصاف : ٢ / ٣٢٧. ـ