و «قد» حرف تحقيق وتوقّع ، وتفيد في المضارع التقليل إلّا في أفعال الله ـ تعالى ـ فإنها للتحقيق ، وقد تخرج المضارع إلى المضيّ كقوله : [البسيط]
٥٦٣ ـ قد أترك القرن مصفرّا أنامله |
|
كأنّ أثوابه مجّت بفرصاد (١) |
وهي أداة مختصّة بالفعل ، وتدخل على الماضي والمضارع ، وتحدث في الماضي التقريب من الحال.
وفي عبارة بعضهم : «قد» حرف يصحب الأفعال ، ويقرّب الماضي من الحال ، ويحدث تقليلا في الاستقبال.
والحاصل أنها تفيد مع الماضي أحد ثلاثة معان : التوقّع ، والتقريب ، والتحقيق ، ومع المضارع أحد أربعة معان : التوقّع ، والتقليل ، والتكثير ، والتحقيق. قال ابن مالك : «والدّالة على التقليل تصرف المضارع» ، وكذلك الدّالة على التكثير. وأما الدالة على التحقيق ، فقد تصرفه إلى المضيّ ، ولا يلزم فيها ذلك ، وهي مع الفعل كجزء منه ، فلا يفصل بينهما بغير القسم ؛ كقوله : [الطويل]
٥٦٤ ـ أخالد قد ـ والله ـ أوطأت عشوة |
|
وما العاشق المظلوم فينا بسارق (٢) |
وإذا دخلت على الماضي ، فيشترط أن يكون متصرفا ، وإذا دخلت على المضارع ، فيشترط تجرّده من جازم وناصب ، وحرف تنفيس ، وتكون اسما بمعنى «حسب» ؛ نحو : «قدني درهم» ، أي : حسبي ، وتتّصل بها نون الوقاية مع ياء المتكلم غالبا ، وقد جمع الشاعر بين الأمرين ، قال : [الرجز]
٥٦٥ ـ قدني من نصر الخبيبين قدي (٣)
والياء المتّصلة ب «قدني» في موضع نصب إن كان «قدني» اسم فعل ، وفي موضع جرّ إن كانت بمعنى «حسب».
والياء في «قدي» تحتمل أن تكون بمعنى «حسبي» ، ولم يأت بنون الوقاية على أحد
__________________
(١) البيت لأخي يزيد بن عبد الله البجلي ينظر شرح شواهد المغني : ص ٤٨٨ ، تذكرة النحاة : ص ٧٦ ، ومغني اللبيب : ص ٢٨٤ ، ٣٩٣ ، وهمع الهوامع : ١ / ٢٤٨ ، ٥ / ٧٣ ، والجنى الداني : ص ٢٦٠ ، والدر : ١ / ٢٥١.
(٢) وهو أخو يزيد بن عبد الله البجلي. وقد لفق بعضهم بين صدر هذا البيت وعجز بيت للفرزدق. المغني ١٨٦ وشرح شواهده ٤٨٨ ـ ٤٨٩ وديوان الفرزدق ٥٦١. وقد أوطأت عشوة أي ركبت أمرا غير بيّن.
(٣) البيت لأبي بحدلة وقيل لحميد الأرقط. ينظر أمالي الشجري : (١ / ١٤) ، النوادر : (٢٠٥) ، شرح المفصل : (٣ / ٢٤) ، شواهد المغني : (٤٨٧) ، الإنصاف : (١٣١) ، الخزانة : (٢ / ٤٤٩) ، العيني : (١ / ٣٧٥) ، الكتاب : (٢ / ٣٧١) ، الأمالي الشجرية : (١ / ١٤) ،. ابن يعيش : (٣ / ١٢٤) ، الجنى الداني : ٢٥٣ ، الهمع : (١ / ٦٢) ، الأشموني : (١ / ١٢٥) ، شرح التصريح : (١ / ١١٢) ، ومصابيح المعاني : ص ٣٢١ ، الدر المصون : (١ / ٢٥١).