فرق طاعم» ، وقيل : لأنه في تأويل : «أول من كفر به».
وقيل : لأنه في معنى : لا يكن كل واحد منكم أول كافر ، كقولك : كسانا حلّة أي : كل واحد منّا ، ولا مفهوم لهذه الصفة هنا ، فلا يراد : ولا تكونوا أول كافر ، بل آخر كافر ؛ لأن ذكر الشّيء ليس فيه دلالة على أن ما عداه بخلافه.
وأيضا فقوله : (وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ) دليل على أن كفرهم أولا وآخرا محظور ، وأيضا قوله : (رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) [الرعد : ٢] لا يدلّ على وجود عمد لا يرونها ، وقوله : (وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍ) [آل عمران : ١٨١] لا يدلّ على وقوع قتل الأنبياء بحق.
وقوله بعد هذه الآية : (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً) [البقرة : ٤١] لا يدلّ على إباحة ذلك بالثّمن الكثير ، فكذا هاهنا ، ولما اعتقد بعضهم أن لها مفهوما احتاج إلى تأويل جعل «أول» زائدا ، قال تقديره : ولا تكونوا كافرين به ، وهذا ليس بشيء ، وقدّره بعضهم بأن ثمّ معطوفا محذوفا تقديره : ولا تكونوا أوّل كافر به ، ولا آخر كافر ، ونصّ على الأول ؛ لأنه أفحش للابتداء به ؛ وهو نظير قوله : [الرمل]
٤٣٣ ـ من أناس ليس في أخلاقهم |
|
عاجل الفحش ولا سوء الجزع (١) |
لا يريد أن فيهم فحشا آجلا ، بل يريد لا فحش عندهم لا عاجلا ولا آجلا. والهاء في «به» تعود على «ما أنزلت».
وقيل : على «ما معكم».
وقيل : على الرسول عليه الصلاة والسلام ؛ لأن التنزيل يستدعي منزلا إليه.
وقيل : على النعمة ذهابا بها إلى معنى الإحسان.
فإن قيل : كيف جعلوا أوّل من كفر به ، وقد سبقهم إلى الكفر به مشركو العرب؟
فالجواب : من وجوه :
أحدها : أن هذا تعريض بأنه كان يجب أن يكونوا أوّل من يؤمن به لمعرفتهم به وبصفته ؛ لأنهم كانوا هم المبشّرين بزمان محمد ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ والمستفتحين على الذين كفروا به ، فلمّا بعث كان أمرهم على العكس لقوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) [البقرة : ٨٩].
وثانيها : المراد : ولا تكونوا مثل أول كافر به ، يعني : من أشرك من أهل «مكة» ، أي أنتم تعرفونه مذكورا في التوراة والإنجيل ، فلا تكونوا مثل من لم يعرفه ، وهو مشرك لا كتاب له.
__________________
(١) البيت لسويد بن أبي كاهل اليشكري من عينيته الشهيرة ، ينظر شرح المفضليات للتبريزي : ٢ / ٨٨٦ ، والبحر المحيط : ١ / ٣٣٣ ، مجمع البيان : ١ / ٢١٠ ، الدر المصون : ١ / ٢٠٦.