وثالثها : ولا تكونوا أول كافر به من أهل الكتاب ؛ لأن هؤلاء كانوا أول من كفر بالقرآن من بني إسرائيل ، وإن كانت قريش كفرت به قبل ذلك.
ورابعها : ولا تكونوا أول كافر به ، يعني بكتابكم يقول ذلك لعلمائهم ، أي : ولا تكونوا أول أحد من أمتكم كذب كتابكم ؛ لأن تكذيبكم بمحمد صلىاللهعليهوسلم يوجب تكذيبكم بكتابكم.
وخامسها : ولا تكونوا أوّل كافر به عند سماعكم بذكره ، بل تثبّتوا فيه ، وراجعوا عقولكم فيه.
قوله : (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً).
«بآياتي» متعلّق بالاشتراء وضمن الاشتراء معنى الاستبدال ، فلذلك دخلت الباء على الآيات ، وكان القياس دخولها على ما هو ثمن ؛ لأن الثمن في البيع حقيقته أن يشترى به ، لا أن يشترى ، لكن لما دخل الكلام معنى الاستبدال جاز ذلك ؛ لأن معنى الاستبدال أن يكون المنصوب فيه حاصلا والمجرور بالباء زائلا.
وقد ظنّ بعضهم أن قولك : «بدلت الدّرهم بالدينار» وكذا : «أبدلت» أيضا أن الدينار هو الحاصل ، والدرهم هو الزّائل ، وهو وهم ؛ ومن مجيء «اشترى» بمعنى «استبدل» قوله : [الرجز]
٤٣٤ ـ كما اشترى المسلم إذ تنصّرا (١)
وقول الآخر : [الطويل]
٤٣٥ ـ فإن تزعميني كنت أجهل فيكم |
|
فإنّي شريت الحلم بعدك بالجهل (٢) |
وقال المهدوي : دخول «الباء» على «الآيات» كدخولها على «الثّمن» ، وكذلك كل ما لا عين فيه ، وإذا كان في الكلام دراهم أو دنانير دخلت الباء على الثمن ، قاله الفرّاء ، يعني أنه إذا لم يكن في الكلام درهم ولا دينار صحّ أن يكون كلّ من العوضين ثمنا ، ومثمنا ، لكن يختلف ذلك بالنسبة إلى المتعاقدين ، فمن نسب الشراء إلى نفسه أدخل الباء على ما خرج منه ، وزال عنه ، ونصب ما حصل له ، فتقول «اشتريت هذا الثّوب بهذا العبد».
__________________
(١) ينظر الكشاف (١ / ١٣١) ، البحر المحيط (١ / ٣٣٣) ، الدر المصون (١ / ٢٠٦).
(٢) البيت لأبي ذؤيب الهذلي في الأضداد : ١٠٧ و ١٨٦ ، وتخليص الشواهد : ٤٢٨ ، وخزانة الأدب : ١١ / ٢٤٩ ، والدرر : ٢ / ٢٤٢ ، شرح أبيات سيبويه : ١ / ٨٦ و ٣٥١ ، شرح أشعار الهذليين : ١ / ٩٠ ، شرح شواهد الإيضاح : ١١٩ ، شرح شواهد المغني : ٢ / ٦٧١ ، والكتاب : ١ / ١٢١ ، ولسان العرب [زعم] ، مغني اللبيب : ٢ / ٤١٦ ، المقاصد النحوية : ٢ / ٣٨٨ ، شرح ابن عقيل : ٢١٤ ، همع الهوامع : ١ / ١٤٨ ، والدر المصون : ١ / ٢٠٧.