وقال بعضهم : هذا هو الغالب ، وقد جاء حيث لا يمكن أن يكون للحال ، كقوله :(فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ) [الجن : ٢] (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَ) [البقرة : ١٨٧] فلو كان يقتضي الحال لما جاء مع فعل الشرط والأمر اللذين هما نصّ في الاستقبال ، وعبر عنه هذا القائل بعبارة توافق مذهبه وهي : «الآن» لوقت حصر جميعه أو بعضه يريد بقوله : «أو بعضه» نحو : «فمن يستمع الآن يجد له» ، وهو مبني.
واختلف في علّة بنائه : فقال الزّجّاج (١) : لأنه تضمن معنى الإشارة ؛ لأن معنى أفعل الآن ، أي : هذا الوقت.
وقيل : لأنه أشبه الحرف في لزوم لفظ واحد ، من حيث إنه لا يثنّى ولا يجمع ولا يصغّر.
وقيل : لأنه تضمّن معنى حرف التعريف ، وهو الألف واللام ك «أمس» ، وهذه الألف واللام زائدة فيه بدليل بنائه ، ولم يعهد معرف ب «أل» إلا معربا ، ولزمت فيه الألف واللام كما لزمت في «الذي والّتي» وبابهما ، ويعزى هذا للفارسي ، وهو مردود بأن التضمين اختصار ، فكيف يختصر الشيء ، ثم يؤتى بمثل لفظه.
وهو لازم للنظر فيه ، ولا يتصرف غالبا ، وقد وقع مبتدأ في قوله عليه الصلاة والسلام : «فهو يهوي في قعرها الآن حين انتهى».
ف «الآن» مبتدأ ، وبني على الفتح لما تقدم ، و «حين» خبره ، بني لإضافته إلى غير متمكّن ، ومجرورا في قوله :
٥٨٩ ـ أإلى الآن لا يبين ارعواء |
|
.......... (٢) |
وادعى بعضهم إعرابه مستدلّا بقوله : [الطويل]
٥٩٠ ـ كأنّهما ملآن لم يتغيّرا |
|
وقد مرّ للدّارين من بعدنا عصر (٣) |
يريد : «من الآن» فجره بالكسرة ، وهذا يحتمل أن يكون بني على الكسر ، وزعم الفراء أنه منقول من فعل ماض ، وأن أصله «آن» بمعنى : «حان» فدخلت عليه «أل» زائدة ،
__________________
(١) ينظر معاني القرآن : ١ / ١٢٦.
(٢) صدر بيت لعمر بن أبي ربيعة. وعجزه :
لك بعد المشيب عن ذا التصابي
ينظر ديوانه : (٤٢٣) والهمع : ١ / ٢٠٧ ، الدرر : ١ / ١٧٤ ، والدرر : ١ / ٢٦١.
(٣) البيت لأبي صخر الهذلي ينظر الدرر : ٣ / ١٠٦ ، سر صناعة الإعراب : ٢ / ٥٣٩ ، وشرح أشعار الهذليين : ٢ / ٩٥٦ ، شرح شواهد المغني : ١ / ١٦٩ ، والمنصف : ١ / ٢٢٩ ، والأشباه والنظائر : ٢ / ١٣٣ ، لسان العرب (أين) ، شرح شذور الذهب : ص ١٦٥ ، الخصائص : ١ / ٣١٠ ، رصف المباني : ص ٣٢٦ ، سر صناعة الإعراب : ٢ / ٤٣٩ ، ٤٤٠ ، شرح المفصل : ٨ / ٣٥ ، همع الهوامع : ١ / ٢٠٨ ، ٢ / ١٩٩ ، والدر المصون : ١ / ٢٦١.