يفعل ما كلف أولا ، وعلى أن الأمر للوجوب والفور ؛ لأنه ـ تعالى ـ ذمّ التثاقل فيه ، والتكاسل في الاشتغال بمقتضاه ، ولم يوجد في هذه الصورة إلا مجرد الأمر.
قال القاضي : إنما وجب ؛ لأن فيه إزالة شرّ وفتنة ، فأمر تعالى بذبح البقرة ، لكي يظهر القاتل ، فيزول الشّر والفتنة ، فلما كانت المصلحة في هذا الفعل صار واجبا.
وقال بعضهم : إما أمروا بذبح بقرة معيّنة في نفسها ، فلذلك حسن موقع سؤالهم لأن المأمور به إذا كان مجملا حسن الاستفسار والاستعلام ، وعلى القول الأول لا بدّ من بيان ما الذي حملهم على [هذا](١) الاستفسار؟
فقيل : إن موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ لما أمرهم بذبح بقرة وأن يضربوا القتيل ببعضها فيصير حيّا تعجبوا من ذلك ، وظنوا أنّ تلك البقرة التي لها هذه الخاصية لا تكون إلا بقرة معينة فلا جرم استقصوا في السؤال عنها كعصا موسى المخصوصة من بين سائر العصيّ بتلك الخواص ، إلّا أن القوم أخطئوا في ذلك ؛ لأن هذه الآية العجيبة ما كانت خاصة للبقرة ، بل كانت معجزة يظهرها الله ـ تعالى ـ على يد موسى عليه الصلاة والسلام.
وقيل : لعلّ القوم أرادوا أيّ بقرة كانت إلّا أن القاتل خاف من الفضيحة ، فألقى شبهة في نفوسهم وقال : المأمور به بقرة معينة لا مطلق البقرة ، فلما وقعت المنازعة رجعوا عند ذلك إلى موسى عليه الصلاة والسلام.
قال القشيريّ (٢) في تفسيره : قيل : إن أوّل من راجع موسى ـ عليه الصّلاة والسلام ـ في البحث عن البقرة القاتل خوف أن يفتضح ، وقد وجدت تلك البقرة عند الشّاب.
وقيل : إن الخطاب الأول للعموم ، إلّا أن القوم أرادوا الاحتياط فيه ، فسألوا طلبا لمزيد البيان ، وإزالة سائر الاحتمالات إلّا أن المصلحة تغيرت ، واقتضت الأمر بذبح البقرة المعينة.
وقيل : كان سؤالهم تقديرا من الله ـ عزوجل ـ وحكمة ، ومصلحة لصاحب البقرة ، فإنه يروى أن رجلا صالحا من بني إسرائيل كان له ولد بارّ ، وكان له عجلة فأتى بها غيضة وقال : اللهم إني استودعتكها لابني حتى يكبر ، ثم مات الأب فشبّت ، وكانت من أحسن البقر [وأتمّها](٣) وهي البقرة التي وصفها الله لهم فساوموها اليتيم وأمه حتى
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة النيسابوري القشيري : زين الإسلام شيخ خراسان في عصره زهدا وعلما بالدين كانت إقامته بنيسابور ولد في ٣٧٦ ه من كتبه «التيسير من التفسير مخطوط» لطائف الإشارات مطبوع ، الرسالة القشيرية توفي في ٤٦٥ ه.
ينظر طبقات السبكي : ٣ / ٢٤٣ ـ ٢٤٨ ، الوفيات : ١ / ٢٩٩ ، تاريخ بغداد : ١١ / ٨٣ ، مفتاح السعادة : ١ / ٤٣٨ ، كشف الظنون : ٥٢٠ ، تذكرة النوادر : ٢٤ ، الأعلام : ٤ / ٥٧.
(٣) في ب : وأثمنها.