وقال تعالى : (إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) [الحج : ٥٢] أي : قرأ وتلا.
والأصل على هذا : «أمنوية» فأعلت إعلال «ميت» و «سيد» وقد تقدم.
وقيل : الأمنية : الكذب والاختلاق.
قال أعرابي لابن دأب (١) في شيء يحدث به : أهذا الشيء رويته أم تمنيته أي : اختلقته.
وقيل : ما يتمنّاه الإنسان ويشتهيه.
وقيل : ما يقدره ويحزره من منّى : إذا كذب ، أو تمنى ، أو قدر ؛ كقوله : [البسيط]
٦٠٥ ـ لا تأمننّ وإن أمسيت في حرم |
|
حتّى تلاقي ما يمني لك الماني (٢) |
أي : يقدر لك المقدر.
قال الراغب : والمني : التقدير ، ومنه «المنا» الذي يوزن به ، ومنه «المنية» وهو الأجل المقدر للحيوان ، «والتّمنّي» : تقدير شيء في النفس وتصويره فيها ، وذلك قد يكون عن ظنّ وتخمين ، وقد يكون بناء على رويّة وأصل ، لكن لما كان أكثره عن تخمين كان الكذب أملك له ، فأكثر التمني تصوّر ما لا حقيقة له [والأمنية : الصورة الحاصلة في النفس من تمني الشيء](٣). ولما كان الكذب تصوّر ما لا حقيقة له وإيراده باللفظ الدّال صار التمني كالمبدأ للكذب فعبر عنه.
ومنه قوله عثمان : «ما تغنيت ولا تمنيت منذ أسلمت» (٤).
وقال الزمخشري (٥) : والاشتقاق من منّى : إذا قدّر ؛ لأن المتمني يقدّر في نفسه ، ويحزر ما يتمناه ، وكذلك المختلق ، والقارىء يقدر أن كلمة كذا بعد كذا ، فجعل بين هذه المعاني قدرا مشتركا وهو واضح.
__________________
(١) عيسى بن يزيد بن بكر بن دأب الليثي البكري الكناني ، أبو الوليد : خطيب ، شاعر ، عالم بالأنساب ، راوية من أهل المدينة ، اشتهر بأخباره مع المهدي العباسي. وحظي عند الهادي حظوة لم تكن لأحد.
قال ابن قتيبة : له عقب بالبصرة ، وكان أبوه «يزيد» عالما أيضا بأخبار العرب وأشعارها ، والأغلب على آل دأب الأخبار.
توفي سنة ١٧١ ه.
انظر إرشاد الأريب : ٦ / ١٠٤ ، البيان والتبيين : ١ / ٣٠ ، لسان الميزان : ٤ / ٤٠٨ ، التاج : ١ / ٢٤٢ ، الأعلام : ٥ / ١١١.
(٢) البيت لسويد بن عامر. ينظر اللسان والتاج (منى) ، القرطبي : (٢ / ٦) ، الدر المصون : ١ / ٢٦٩.
(٣) سقط في ب.
(٤) أخرجه ابن ماجه في السنن (١ / ١١٣) كتاب الطهارة باب كراهة مسّ الذكر باليمين والاستنجاء باليمين حديث رقم (٣١١) عن عثمان بن عفان بلفظه.
(٥) ينظر الكشاف : ١ / ١٥٧.