و «من» يجوز فيها وجهان.
أحدهما : أن تكون موصولة بمعنى «الذي» والخبر قوله : «فأولئك» ، وجاز دخول الفاء في الخبر لاستكمال الشروط ، ويؤيد كونها موصولة ، وذكر قسيمها موصولا وهو قوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا ،) ويجوز أن تكون شرطية ، والجواب قوله : (فَأُولئِكَ) ، وعلى كلا القولين فمحلّها الرفع بالابتداء ، ولكن إذا قلنا : إنها موصولة كان الخبر : «فأولئك» وما بعده بلا خلاف ، ولا يكون لقوله : «كسب سيّئة» وما عطف عليه محلّ من الإعراب ؛ لوقوعه صلة.
وإذا قلنا : إنها شرطية جاء في خبرها الخلاف المشهور ، إما الشرط أو الجزاء ، أو هما حسب ما تقدم ، ويكون قوله : «كسب» وما عطف عليه في محلّ جزم بالشرط.
«سيّئة» مفعول به ، وأصلها : «سيوئة» ؛ لأنها من ساء يسوء فوزنها «فيعلة» فاجتمع الياء والواو ، وسبقت إحداهما بالسكون ، فأعلت إعلال «سيّد وميّت» كما تقدم.
وراعى لفظ «من» فأفرد في قوله : (كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ) والمعنى مرة أخرى مجمع في قوله : (فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ).
وقرأ نافع (١) وأهل «المدينة» «خطيئاته» بجمع السلامة والجمهور : «خطيئة» بالإفراد ، ووجه القراءتين ينبني على معرفة السّيئة والخطيئة.
وفيهما أقوال :
أحدها : أنهما عبارتان عن الكفر بلفظين مختلفين.
الثاني : أنهما عبارتان عن الكفر بلفظين مختلفين.
الثالث : [عكس الثاني](٢).
فوجه قراءة الجماعة على الأول والثالث أن المراد بالخطيئة الكفر ، وهو مفرد ، وعلى الوجه الثّاني أن المراد به جنس الكبيرة ، ووجه قراءة نافع على الوجه الأول والثالث أن المراد بالخطيئات أنواع الكفر المتجددة في كلّ وقت ، وعلى الوجه الثاني أن المراد به الكبائر وهي جماعة.
وقيل : المراد بالخطيئة نفس السّيئة المتقدمة ، فسماها بهذين الاسمين تقبيحا لها كأنه قال : وأحاطت به خطيئته تلك أي السيئة ، ويكون المراد بالسّيئة الكفر ، أو يراد بهم
__________________
(١) وكذا أبو جعفر.
انظر حجة القراءات : ١٠٢ ، والحجة : ٢ / ١١٤ ، والعنوان : ٧٠ ، وإتحاف : ١ / ٤٠٠ ، وشرح شعلة : ٢٦٦ ، وشرح الطيبة : ٤ / ٤٢.
(٢) في أ : عكسه.