عليه الزمان ، وثقل عليه أمر من الأمور ، فيقتل نفسه ، فإذا انتفى كون الإنسان ملجأ إلى ترك قتله نفسه صحّ كونه مكلفا به.
وثانيها : المراد لا يقتل بعضكم بعضا ، وجعل غير الرجل نفسه إذا اتّصل به نسبا ودينا كقوله تعالى : (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [البقرة : ٥٤].
وثالثها : أنه إذا قتل غيره ، فكأنما قتل نفسه ؛ لأنه يقتصّ منه بإقامة المسبّب مقام السّبب ، وهو قريب من قولهم : «القتل أنفى للقتل» ؛ وقال : [الطويل]
٦٢٨ ـ سقيناهم كأسا سقونا بمثلها |
|
ولكنّهم كانوا على الموت أصبرا (١) |
وقيل : لا تفسكوها بارتكاب أنفسكم ما يوجب سفكها كالارتداد نحوه وهو قريب مما قبله.
ورابعها : لا تتعرضوا لمقاتلة من يقتلكم ، فتكونوا قد قتلتم أنفسكم.
وخامسها : لا تسفكوا دماءكم من قوامكم في مصالح الدنيا ، فتكونوا مهلكين لأنفسكم.
قوله : (وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ) فيه وجهان.
الأول : لا تفعلون ما تستحقّون بسببه أن تخرجوا من دياركم.
الثاني : المراد النهي عن إخراج بعضهم بعضا من ديارهم ؛ لأن ذلك مما يعظم فيه المحنة.
(مِنْ دِيارِكُمْ) متعلّق ب «تخرجون» ، و «من» لابتداء الغاية ، و «ديار» جمع دار الأصل : دور ؛ لأنه من دار ـ يدور ـ دورانا ، فأصل ديار : دوار ، وإنما قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها ، واعتلالها في الواحد.
وهذه قاعدة مطّردة [في كل جمع على «فعال» صحيح اللام قد اعتلت عين مفرده ، أو سكنت حرف علة نحو :](٢) ديار وثياب ، ولذلك صحّ «رواء» لاعتلال لامه ، و «طوال» لتحرك عين مفرده ، وهو «طويل».
فأما «طيال» في «طوال» فشاذّ ، وحكم المصدر حكم هذا نحو : قام ـ قياما ، وصام ـ صياما ، ولذلك صح «لواذ» لصحة فعله في قولهم : «لاوذ».
وأما ديّار فهو من لفظة الدار ، وأصله : ديوار ، فاجتمع الياء والواو فأعلا على القاعدة المعروفة فوزنه : «فيعال» لا «فعّال» ، إذ لو كان «فعّالا» لقيل : دوّار ك «صوّام وقوّام» والدّار : مجتمع القوم من الأبنية.
__________________
(١) البيت للنابغة الجعدي ينظر ديوانه : ص ٧٢ ، والدرر : ٥ / ٢٩٥ ، وأمالي الزجاجي : ص ١٠ ، وحاشية يس : ١ / ٢٤٩ ، همع الهوامع : ٢ / ١٠٤ ، والدر المصون : ١ / ٢٨٣.
(٢) سقط في : أ.