حال ، والعامل فيها اسم الإشارة لما فيه من معنى الفعل ، وهي حال منه ليتّحد ذو الحال وعاملها.
وقد قالت العرب : «ها أنت ذا قائما» و «ها أنا ذا قائما» و «ها هوذا قائما» فأخبروا باسم الإشارة عن الضّمير في اللّفظ والمعنى على الإخبار بالحال ، فكأنه قال : «أنت الحاضر» ، «وأنا الحاضر» ، «وهو الحاضر» في هذه الحال.
ويدل على أن الجملة من قوله : (تَقْتُلُونَ) حال وقوع الحال الصريحة موقعها كما تقدم في : «ها أنا ذا قائما» ونحوه ، وإلى هذا المعنى نحا الزمخشري فقال : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ) استبعاد لما أسند إليهم من القتل والإجلاء بعد أخذ الميثاق منهم وإقرارهم وشهادتهم ، والمعنى : ثم أنتم بعد ذلك هؤلاء المشاهدون : يعني أنكم قوم آخرون غير أولئك المقربين ، تنزيلا لتغير الصّفة منزلة تغير الذّات كما تقول : رجعت بغير الوجه الذي خرجت به.
وقوله : (تَقْتُلُونَ) بيان لقوله : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ).
واعترضه أبو حيّان فقال : الظاهر أن المشار إليهم بقوله : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ) هم المخاطبون أولا ، فليسوا قوما آخرين ، ألا ترى أن التقدير الذي قدّره الزمخشري من تقدير [تغير الصّفة منزلة](١) تغيّر الذات لا يتأتى في نحو : ها أنا ذا قائما ، ولا في نحو : ها أنتم هؤلاء ، بل المخاطب هو المشار إليه من غير تغيّر.
وأجيب بأن هذا الإيراد بعيد غير واضح.
والثاني : أن «أنتم» أيضا مبتدأ ، و «هؤلاء» خبره ، ولكن بتأويل حذف مضاف تقديره : ثم أنتم مثل هؤلاء ، و «تقتلون» حال أيضا ، العامل فيها معنى التشبيه ، إلا أنه يلزم منه الإشارة إلى غائبين ؛ لأن المراد بهم أسلافهم على هذا ، وقد يقال : إنه نزل الغائب منزلة الحاضر.
الثالث : ونقله «ابن عطية» عن شيخه «ابن الباذش» (٢) أن «أنتم» خبر مقدم ، و «هؤلاء» مبتدأ مؤخر. وهذا فاسد ؛ لأن المبتدأ أو الخبر متى استويا تعريضا وتنكيرا لم يجز تقدم الخبر ، وإن ورد منه ما يوهم فمتأول.
الرابع : أن «أنتم» مبتدأ و «هؤلاء» منادى حذف منه حرف النّداء ، وتقتلون خبر المبتدأ ، وفصل بالنداء بين المبتدأ وخبره.
وهذا لا يجيزه جمهور البصريين إنما قال به «الفراء» وجماعة ؛ أنشدوا : [البسيط]
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) أحمد بن علي بن أحمد بن خلف الأنصاري الغرناطي أبو جعفر المعروف بابن الباذش النحوي إمام من أئمة النحو توفي في جمادى الآخرة سنة أربعين وخمسمائة.
ينظر بغية الوعاة : ١ / ٣٣٨.