على أن الناصب ل «منجنونا» و «معذبا» محذوف ، أي : يدور دوران منجنون ، ويعذب معذّبا تعذيبا.
وأجاز يونس النصب مطلقا ، وإن كان النّحّاس نقل عدم الخلاف في رفع ما زيد إلّا أخوك فإن كان الثّاني منزلا منزلة الأوّل نحو : «ما أنت إلّا عمامتك تحسينا وإلّا رداءك تزيينا».
فأجاز الكوفيون نصبه ، وإن كان صفة نحو : «ما زيد إلا قائم» فأجاز الفراء نصبه أيضا.
والثاني : أن تكون استفهامية في محلّ رفع بالابتداء ، و «جزاء» خبره ، و «إلّا خزي» بدل من «جزاء» نقله أبو البقاء.
و «الجزاء» : المقابلة خيرا كان أو شرّا.
و «من» موصولة ، أو نكرة موصوفة ، و «يفعل» لا محلّ لها على الأول ، ومحلها الجر على الثاني.
«منكم» في محلّ نصب على الحال من فاعل «يفعل» ، فيتعلّق بمحذوف ، أي : يفعل ذلك حال كونه منكم.
و «الخزي» : الهوان والذّل والمقت ، يقال : أخزاه الله إذا مقته وأبعده ، ويقال : خزي ـ بالكسر ـ يخزى خزيا فهو خزيان ، وامرأة خزيا ، والجمع خزايا. وقال ابن السّكّيت : الخزي الوقوع في بليّة ، وخزي الرجل في نفسه يخزى خزاية إذا استحيا.
وإذا قيل : أخزاه الله ، كأنه قيل : أوقعه موقعا يستحيى منه ، فأصله على هذا الاستحياء.
قوله : «في الحياة» يجوز فيه وجهان :
أحدهما : أن يكون في محلّ رفع ؛ لأنه صفة ل «خزي» فيتعلّق بمحذوف ، أي : خزي كائن في الحياة.
الثّاني : أن يكون محلّه النصب على أنه ظرف ل «خزي» ، فهو منصوب به تقديرا. و «الدّنيا» «فعلى» تأنيث الأدنى من الدّنو ، وهو القرب ، وألفها للتأنيث ، ولا تحذف منها «أل» إلا لضرورة كقوله : [الرجز]
٦٤٣ ـ يوم ترى النّفوس ما أعدّت |
|
في سعي دنيا طالما قد مدّت (١) |
وياؤها عن واو ، وهذه قاعدة مطردة ، وهي : كل «فعلى» صفة لامها واو تبدل ياء ، نحو : «الدنيا والعليا».
__________________
ـ ٢ / ٩٢ ، وهمع الهوامع : ١ / ١٢٣ ، ٢٣٠ ، وشرح الأشموني : ١ / ١٢١ ، ورصف المباني : ص ٣١١ ، والدر المصون : ١ / ٢٨٩.
(١) تقدم برقم ٦٢٢.