قال تعالى : (بِأَهْوائِهِمْ) [الأنعام : ١١٩] ولا يجمع على «أهوية» ، وإن كان قد جاء «ندى» و «أندية» ؛ قال الشاعر : [البسيط]
٦٥٢ ـ في ليلة من جمادى ذات أندية |
|
لا يبصر الكلب من ظلمائها الطّنبا (١) |
وأما «هوى يهوي» بفتحها في الماضي وكسرها في المضارع فمعناه السّقوط ، و «الهويّ» بفتح الهاء ، ذهاب في انحدار.
و «الهويّ» : ذهاب في صعود وسيأتي تحقيق ذلك إن شاء الله تعالى.
وأسند الفعل إلى «الأنفس» دون المخاطب فلم يقل : «بما لا تهوون» تنبيها على أنّ النفس يسند إليها الفعل السيّىء غالبا نحو : (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) [يوسف : ٥٣] (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ) [يوسف : ١٨] و «استكبر» بمعنى : «تكبر».
قوله : (فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ) «الفاء» عاطفة جملة «كذبتم» على «استكبرتم» ، و «فريقا» مفعول مقدم ، قدم لتتفق رؤوس الآي ، وكذا : «فريقا تقتلون» ، ولا بدّ من محذوف ، أي : فريقا منهم ، والمعنى أنه نشأ عن استكبارهم مبادرة فريق من الرسل بالتكذيب ، ومبادرة آخرين بالقتل. وقدم التكذيب ؛ لأنه أول ما يفعلونه من الشّر ؛ ولأنه مشترك بين المقتول وغيره ، فإنّ المقتولين قد كذبوهم أيضا ، وإنما لم يصرّح به ؛ لأنه ذكر أقبح منه في الفعل. وجيء ب «تقتلون» مضارعا ، إما لكونه مستقبلا ؛ لأنهم كانوا يرومون قتل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولذلك سحروه ، وسمّوا له الشاة ، وقال عليه الصلاة والسلام عند موته : «ما زالت أكلة خيبر تعاودني ، فهذا أوان انقطاع أبهري» (٢) ولما فيه من مناسبة رؤوس الآي والفواصل ، وإما أن يراد به الحال الماضية ؛ لأن الأمر فظيع ، فأريد استحضاره في النّفوس ، وتصويره في القلوب.
__________________
(١) البيت لمرة بن محكان ينظر لسان العرب (ندى) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٥١٠ ، والمقتضب ٣ / ٤٨١ والخصائص ٣ / ٥٢ ، ٣ / ٢٣٧ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٩٣ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٥٦٣ ، والأغاني ٣ / ٣١٨ ، ولسان العرب (رجل) ، وشرح المفصل ١٠ / ١٧ ، وشرح شافية ابن الحاجب ص ٣٢٩ ، وشرح الأشموني ٣ / ٦٥٦ ، وأوضح المسالك ٤ / ٢٩٤ ، الدر المصون ١ / ٢٩٥.
(٢) أخرجه البخاري في الصحيح (٧ / ٧٣٧) كتاب المغازي (٦٤) باب مرض النبي صلىاللهعليهوسلم ووفاته (٨٣) حديث رقم (٤٤٢٨) عن عائشة رضي الله عنها «كان النبي صلىاللهعليهوسلم يقول في مرضه الذي مات فيه يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم».
وقوله أوان بالفتح على الظرفية قال أهل اللغة الأبهر عرق مستبطن بالظهر متصل بالقلب إذا انقطع مات صاحبه وقال الخطابي يقال إن القلب متصل به اه.
وأبو داود في السنن كتاب الديات باب (٦).
والبيهقي في دلائل النبوة (٤ / ٢٦٤).
وذكره ابن حجر في فتح الباري ٨ / ١٣١ ، ١٠ / ٢٤٧.
وابن كثير في البداية والنهاية ٤ / ٢١٠.
والزبيدي في الإتحاف ٧ / ١٨٤.