قوله : (أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ) الهمزة هنا ـ للتوبيخ والتّقريع ، والفاء للعطف عطفت هذه الجملة على ما قبلها ، واعتني بحرف الاستفهام فقدّم ، وتقدم تحقيق ذلك ، وأن الزمخشري يقدر بين الهمزة وحرف العطف جملة ليعطف عليها ، وهذه الجملة يجوز أن تكون معطوفة على ما قبلها من غير حذف شيء كأنه قال : ولقد آتينا يا بني إسرائيل أنبياءكم ما آتيناهم فكلما جاءكم رسول.
ويجوز أن يقدّر قبلها محذوف أي : ففعلتم ما فعلتم فكلما جاءكم رسول ، وقد تقدّم الكلام في «كلما» عند قوله «كلّما أضاء» ، والناصب لها هنا استكبرتم.
و «جاء» يتعدّى بنفسه تارة كهذه الآية ، وبحرف الجر أخرى ، نحو : «جئت إليه» و «رسول» «فعول» بمعنى «مفعول» أي : مرسل ، وكون «فعول» بمعنى «المفعول» قليل ، جاء منه : «الرّكوب والحلوب» ، ويكون مصدرا بمعنى : الرّسالة قاله الزمخشري ؛ وأنشد : [الطويل]
٦٥١ ـ لقد كذب الواشون ما فهت عندهم |
|
بسرّ ولا أرسلتهم برسول (١) |
أي : برسالة ، ومن عنده : (إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الشعراء : ١٦].
قوله : (بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ) متعلّق بقوله : «جاءكم» و «ما» موصولة بمعنى الّذي ، والعائد محذوف لاستكمال الشّروط والتقدير : بما لا تهواه ، و «تهوى» مضارع «هوي» بكسر العين ولامه من ياء ؛ لأن عينه واو ، وباب «طويت وشويت» أكثر من باب «قوّة وحوة» ولا دليل في «هوي» لانكسار العين ، وهو مثل «شقي» من الشّقاوة ، وقولهم في تثنية مصدر هوي : هويان أدلّ على ذلك.
ومعنى تهوى : تحبّ وتختار ، وأصل الهوى : الميل ، سمي بذلك ؛ لأنه يهوي بصاحبه في النار ، ولذلك لا يستعمل غالبا إلّا فيما لا خير فيه ، وقد يستعمل فيما هو خير ، ففي الحديث الصحيح قول عمر في أسارى «بدر» : «فهوي رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما قال أبو بكر ، ولم يهو ما قلت» (٢).
وعن عائشة رضي الله عنها : «والله ما أرى ربّك إلا يسارع في هواك» (٣). وجمعه «أهواء».
__________________
(١) البيت لكثير ينظر ديوانه : ٢ / ٢٤٩ ، الكشاف : ٤ / ٤٩٧.
(٢) أخرجه مسلم «كتاب الجهاد» ٥٨ وأحمد (١ / ٣١ ـ ٣٢).
(٣) أخرجه مسلم في الصحيح ٣ / ١٣٨٤ ـ ١٣٨٥ عن ابن عباس بزيادة في أوله وآخره كتاب الجهاد والسير (٣٢) باب الامداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة الغنائم (١٨) حديث رقم (٥٨ / ١٧٦٣) وأبو داود في السنن ٢ / ٦٨ كتاب الجهاد باب في فداء الأسير بالمال حديث رقم ٢٦٩٠ ـ والترمذي في السنن ٤ / ١١٤ ـ ١١٥ كتاب السير (٢٢) باب ما جاء في قتل الأسارى والفداء (١٨) حديث رقم ١٥٦٧ وأحمد في المسند ٣ / ٢٤٣ ـ والحاكم في المستدرك ٢ / ٢٣٩ ، ٣٢٩ ، ٣ / ٢١ ، ٢٢.