وفي الحديث عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام : «كنت خليلا من وراء وراء» (١).
وثبوت الهاء في تصغيرها شاذّ ؛ لأن ما زاد من المؤنث على ثلاثة لا تثبت الهاء في مصغره إلا في لفظتين شذتا وهما : «وريئة» و «قديديمة» : تصغير «وراء» و «قدام».
وقال ابن عصفور : لأنهما لم يتصرفا فلو لم يؤنّثا في التصغير لتوهّم تذكيرهما.
والوراء : ولد الولد أيضا.
قوله : (وَهُوَ الْحَقُّ) مبتدأ أو خبر ، والجملة في محلّ نصب على الحال ، والعامل فيها قوله (يَكْفُرُونَ) [وصاحبها فاعل يكفرون](٢) وأجاز أبو البقاء (٣) أن يكون العامل الاستقرار الذي في قوله : (بِما وَراءَهُ) أي بالذي استقرّ وراءه ، وهو الحق.
وهذا إشارة إلى وجوب الإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم ؛ لأنه لما ثبت نبوّته بالمعجزات التي ظهرت عليه ، ثم إنه ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ أخبر أن هذا القرآن منزّل من عند الله ، وأن فيه أمر المكلفين به ، فكان الإيمان به محقّق لا محالة.
قوله : (مُصَدِّقاً) حال مؤكدة ، لأن قوله : (وَهُوَ الْحَقُّ) قد تضمّن معناها ، والحال المؤكدة : إما أن تؤكد عاملها ، نحو : (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [البقرة : ٦٠] وإما أن تؤكد مضمون جملة ، فإن كان الثاني التزم إضمار عاملها ، وتأخيرها عن الجملة ، ومثله أنشد سيبويه : [البسيط]
٦٦٤ ـ أنا ابن دارة معروفا بها نسبي |
|
وهل بدارة يا للنّاس من عار (٤) |
والتقدير : وهو الحق أحقّه مصدقا ـ وابن دارة أعرف معروفا ، هذا تقرير كلام النحويين ، وأما أبو البقاء ، فإنه قال : مصدقا حال مؤكّدة ، والعامل فيها ما في «الحق» من معنى الفعل ، إذ المعنى : وهو ثابت مصدقا ، وصاحب الحال الضمير المستتر في «الحقّ» عند قوم ، وعند آخرين صاحب الحال ضمير دلّ عليه الكلام ، و «الحق» : مصدر لا يتحمّل الضمير على حسب تحمّل اسم الفاعل له عندهم.
فقوله : «وعند آخرين» هو القول الذي قدّمناه وهو الصواب ، و «ما» في قوله : «لما
__________________
(١) أخرجه مسلم في الصحيح (١ / ١٨٦ ـ ١٨٧) كتاب الإيمان (١) باب أدنى أهل الجنة منزلة حديث رقم (٣٢٩ / ١٩٥).
والحديث ذكره المنذري في «الترغيب والترهيب» (٤ / ٤٤٠).
(٢) سقط في ب.
(٣) ينظر الإملاء : ١ / ٥٢.
(٤) البيت لسالم بن دارة ينظر خزانة الأدب : ١ / ٤٦٨ ، ٢ / ١٤٥ ، ٣ / ٣٦٥ ، ٢٦٦ ، شرح أبيات سيبويه : ١ / ٥٤٧ ، الخصائص : ٢ / ٢٦٨ ، ٣١٧ ، ٣٤٠ ، ٣ / ٦٠ ، الدرر : ٤ / ١١ ، شرح المفصل : ٢ / ٦٤ ، الكتاب : ٢ / ٧٩ ، المقاصد النحوية : ٣ / ١٨٦ ، وشرح الأشموني : ١ / ٢٥٥ ، شرح شذور الذهب : ص ٣٢٠ ، شرح ابن عقيل : ص ٣٣٨ ، همع الهوامع : ١ / ٢٤٥ ، والدر : ١ / ٣٠٣.