هاء السّكت نحو مجيء «مه» ، وإن كانت مجرورة بحرف فالاختيار اللحاق ، والفرق أن الحرف يمتزج بما يدخل عليه فتقوى به الاستفهامية ، بخلاف الاسم المضاف إليها ، فإنه في نيّة الانفصال ، وهذا الوقف إنما يجوز ابتداء ، أو بقطع نفس ، ولا جرم أن بعضهم منع الوقف على هذا النحو قال : «إنه إن وقف بغير هاء كان خطأ ؛ لنقصان الحرف ، وإن وقف بها خالف السّواد».
لكن البزي قد وقف بالهاء ، ومثل ذلك لا يعد مخالفة للسّواد ، ألا ترى إلى إثباتهم بعض ياءات الزوائد.
والجار متعلق بقوله : (تَقْتُلُونَ) ، ولكنه قدّم عليه وجوبا ؛ لأن مجروره له صدر الكلام ، والفاء وما بعدها من «تقتلون» في محلّ جزم ، وتقتلون ـ وإن كان بصيغة المضارع ، فهو في معنى الماضي [لفهم المعنى](١) ، وأيضا فمعه قوله : (مِنْ قَبْلُ) [وأيضا فإن الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ إنما كانوا في ذلك الزمان ، وأيضا فالحاضرون لم يفعلوا ذلك ولا يتأتى لهم قتل الماضين](٢) ، وجاز إسناد القتل إليهم وإن لم يتعاطوه ؛ لأنهم لما كانوا راضين بفعل أسلافهم جعلوا كأنهم فعلوا هم أنفسهم.
فإن قيل : كيف جاز قوله : (فَلِمَ تَقْتُلُونَ) من قبل ، ولا يجوز أن يقال : أنا أضربك أمس؟
فالجواب من وجهين :
الأول : أن ذلك جائز فيما كان بمنزلة الصّفة اللازمة كقولك لمن تعرفه بما سلف من قبح فعله : ويحك لم تكذب؟ كأنك قلت : لم يكن هذا من شأنك.
قال الله تعالى : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ) [البقرة : ١٠٢] ولم يقل : ما تلت الشياطين ؛ لأنه أراد من شأنها التلاوة.
والثاني : كأنه قال : لم ترضون بقتل الأنبياء من قبل إن كنتم مؤمنين بالتوراة؟
قال بعضهم : جاء «تقتلون» بلفظ الاستقبال ، وهو بمعنى المضيّ لما ارتفع الإشكال بقوله : (مِنْ قَبْلُ) وإذا لم يشكل فجائز أن يأتي الماضي بمعنى المستقبل وبالعكس.
قال الحطيئة : [الكامل]
٦٦٦ ـ شهد الحطيئة يوم يلقى ربّه |
|
أنّ الوليد أحقّ بالعذر (٣) |
شهد بمعنى يشهد.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في ب.
(٣) ينظر ديوانه : ص ١٧٩ ، لسان العرب (حسب) ، سر صناعة الإعراب : ١ / ٣٩٨ ، مجالس ثعلب : ص ٤٥٦.