واستضعفه أبو البقاء ـ رحمهالله تعالى ـ قال : لأنه قال بعد ذلك : (قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ) فهو جواب قولهم : (سَمِعْنا وَعَصَيْنا) فالأولى ألا يكون بينهما أجنبي.
و «الواو» في «أشربوا» وهي المفعول الأول قامت مقام الفاعل ، والثاني هو «العجل» ؛ لأن «شرب» يتعدّى بنفسه ، فأكسبته الهمزة مفعولا آخر ، ولا بد من حذف مضافين قبل «العجل» والتقدير : وأشربوا حبّ عبادة العجل.
وحسن حذف هذين المضافين للمبالغة في ذلك حتى كأنه تصوّر إشراب ذات العجل ، والإشراب مخالطة المائع بالجامد ، ثم اتّسع فيه حتى قيل في الألوان نحو : أشرب بياضه حمرة ، والمعنى : أنهم داخلهم حبّ عبادته ، كما داخل الصّبغ الثوب.
ومنه قول الشاعر : [الوافر]
٦٦٩ ـ إذا ما القلب أشرب حبّ شيء |
|
فلا تأمل له الدّهر انصرافا (١) |
وعبر بالشرب دون الأكل ؛ لأن الشرب يتغلغل في باطن الشيء ، بخلاف الأكل فإنه مجاور ؛ ومنه في المعنى : [الطويل]
٦٧٠ ـ جرى حبّها مجرى دمي في مفاصلي |
|
.......... (٢) |
وقال بعضهم : [الوافر]
٦٧١ ـ تغلغل حبّ عثمة في فؤادي |
|
فباديه مع الخافي يسير |
تغلغل حيث لم يبلغ شراب |
|
ولا حزن ولم يبلغ سرور |
أكاد إذا ذكرت العهد منها |
|
أطير لو أنّ إنسانا يطير (٣) |
فهذا وجه الاستعارة.
وقيل : الشرب مادة لحياة ما تخرجه الأرض ، فكذلك كانت تلك المحبة مادة لجميع ما صدر عنهم من الأفعال.
وقيل : الإشراب هنا حقيقة ؛ لأنه يروى أن موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ برد العجل بالمبرد ، ثم جعل تلك البرادة في الماء ، وأمرهم بشربه ، فمن كان يحب العجل ظهرت البرادة على شفتيه.
__________________
(١) ينظر روح المعاني : ١ / ٣٢٦ ، البحر المحيط : ١ / ٤٧٦ ، الدر المصون : ١ / ٣٠٥.
(٢) صدر بيت وعجزه :
فأصبح لي عن كل شغل بها شغل
ينظر البحر المحيط : ١ / ٤٧٦ ، الدر المصون : ١ / ٣٠٥.
(٣) الأبيات لعبيد الله بن عبد الله بن عتبة. ينظر الحماسة : ٢ / ١٠٥ ، المحتسب : ٢ / ١٤٤ ، مجالس ثعلب : ١ / ٢٣٦ ، القرطبي : ٢ / ٢٣ ، اللسان (معع) ، شرح ديوان الحماسة : (٣ / ١٣٥٤) ، روح المعاني : ١ / ٣٢٦ ، الدر المصون : (١ / ٣٠٥.