وقيل : فتمنّوا الموت : ادعوا بالموت على الفرقة الكاذبة. روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «لو تمنوا الموت لشرق كلّ إنسان بريقه وما بقي على وجه الأرض يهودي إلّا مات» (١).
قوله : (إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً) شرط جوابه «فتمنّوا».
و «الدار» اسم «كان» وهي الجنة ، والأولى أن يقدّر حذف مضاف ، أي : نعيم الدار الآخرة ؛ لأن الدّار الآخرة في الحقيقة هي انقضاء الدّنيا ، وهي للفريقين. واختلفوا في خبر كان» على ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه «خالصة» ، فيكون «عند» ظرف ل «خالصة» ، أو للاستقرار الذي في «لكم» ، ويجوز أن تكون حالا من «الدار» ، والعامل فيه «كان» ، أو الاستقرار.
وأما «لكم» فيتعلق ب «كان» ؛ لأنها تعمل في الظرف وشبيهه.
قال أبو البقاء رحمهالله تعالى : ويجوز أن تكون للتبيين ، فيكون موضعها بعد «خالصة» أي : خالصة لكم فتتعلّق بنفس «خالصة» ، وهذا فيه نظر ؛ لأنه متى كانت للبيان تعلّقت بمحذوف تقديره : أعني لكم ، نحو : سقيا لك ، تقديره : أعني بهذا الدعاء لك ، وقد صرح غيره في هذا الموضع بأنها للبيان ، وأنها متعلّقة حينئذ بمحذوف كما تقدم ، ويجوز أن يكون صفة ل «خالصة» في الأصل قدّم عليها فصار حالا منها ، فيتعلّق بمحذوف.
الثاني : أن الخبر «لكم» فيتعلّق بمحذوف وينصب خالصة حينئذ على الحال ، والعامل فيها إما «كان» ، أو الاستقرار في «لكم» و «عند» منصوب بالاستقرار أيضا.
الثالث : أن الخبر هو الظّرف ، و «خالصة» حال أيضا ، والعامل فيها إما «كان» أو الاستقرار ، وكذلك «لكم» ، وقد منع من هذا الوجه قوم فقالوا : لا يجوز أن يكون الظرف خبرا ؛ لأن هذا الكلام لا يستقل.
وجوز ذلك المهدوي ، وابن عطية ، وأبو البقاء ، واستشعر أبو البقاء هذا الإشكال ، وأجاب عنه بأن قال : وسوغ أن يكون «عند» خبر «كان لكم» يعني لفظ «لكم» سوغ وقوع «عند» خبرا ، إذ كان فيه تخصيص وتبيين ، ونظيره قوله : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) [الإخلاص : ٤] ، لو لا «له» لم يصحّ أن يكون «كفوا» خبرا.
و (مِنْ دُونِ النَّاسِ) في محلّ نصب ب «خالصة» ؛ لأنك تقول : خلص كذا من كذا ، والمراد به سوى لا معنى المكان ، كما يقول القائل لمن وهب منه ملكا : هذا لك دون النّاس.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٢ / ٣٦٣) عن ابن عباس موقوفا وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ١٧٣) وزاد نسبته لابن أبي حاتم.