عليه الصّلاة والسّلام ـ وبصحة التوراة ، أو مصدقا لما معهم من حيث إنّ التوراة بشرت بمقدم محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ فإذا جاء محمد كان مجرد مجيئه مصدقا للتوراة.
وقوله : (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) فيه وجهان :
أحدهما : أن المراد ممن أوتي علم الكتاب من يدرسه ويحفظه بدليل قوله تعالى : (كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ).
والثاني : المراد من يدعي التمسّك بالكتاب ، سواء علمه أم لم يعلمه ، وهذا كوصف المسلمين بأنهم من أهل [القرآن](١) لا يختص بذلك من يعرف علومه ، بل المراد من يؤمن به.
قوله تعالى : (الْكِتابَ كِتابَ اللهِ :) «الكتاب» مفعول ثان ل «أوتوا» ؛ لأنه يتعدى في الأصل إلى اثنين ، فأقيم الأول مقام الفاعل ، وهو «الواو» ، وبقي الثاني منصوبا ، [وقد تقدم أنه عند السهيلي مفعول أول](٢) و «كتاب الله» مفعول نبذ ، و «وراء» منصوب على الظرف وناصبه «نبذ» ، وهذا مثل لإهمالهم التوراة ؛ تقول العرب : «جعل هذا الأمر وراء ظهره ، ودبر أذنه» أي : أهمله ؛ قال الفرزدق : [الطويل]
٦٩١ ـ تميم بن مرّ لا تكوننّ حاجتي |
|
بظهر فلا يعيا عليّ جوابها (٣) |
والمراد بكتاب الله : القرآن.
وقيل : إنه التوراة لوجهين :
الأول : أن النبذ لا يعقل إلا فيما تمسكوا به أولا ، وأما إذا لم يلتفتوا إليه فلا يقال : إنهم نبذوه.
والثاني : أنه قال تعالى : (نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) ولو كان المراد به : القرآن لم يكن لتخصيص الفريق معنى ؛ لأنّ جميعهم لا يصدقون بالقرآن.
فإن قيل : كيف يصحّ نبذهم التوراة ، وهم متمسّكون بها؟
قلنا : إنها لما كانت تدلّ على نبوة محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ بنعته ، ووجوب الإيمان به ، ثم عدلوا عنه كانوا نابذين للتّوراة.
قال السّدي ـ رحمهالله تعالى ـ نبذوا التوراة ، وأخذوا بكتاب «آصف» ، وسحر (هارُوتَ وَمارُوتَ)(٤).
قوله : (كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ) جملة في محلّ نصب على الحال ، وصاحبها : فريق ،
__________________
(١) في ب : الكتاب.
(٢) سقط في ب.
(٣) ينظر ديوانه : (٨٠) ، الأضداد : (٢٥٦) ، القرطبي : ٢ / ٢٩ ، الدر المصون : ١ / ٣١٨.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٢ / ٤٠٤) عن السدي ، وذكره ابن كثير في «تفسيره» (١ / ٢٤٧).