وذهب ابن عمر إلى «خيبر» ليخرص ثمرها فسحره بعض اليهود فانكشفت يده ، فأجلاهم عمر ـ رضي الله تعالى عنه ـ وجاءت امرأة لعائشة ـ رضي الله عنها ـ فقالت : يا أم المؤمنين ما على المرأة إذا عقلت بعيرها ، فقالت عائشة : ليس عليها شيء ، فقالت : إني عقلت زوجي عن النساء ، فقالت عائشة : أخرجوا عني هذه الساحرة.
وأجابوا عن الآية بأنها لا تمنع بأنّ من السحر ما هو تخيّل ، وغير تخيل.
فإن قيل : إن الله ـ تعالى ـ قال في حقّه عليهالسلام : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فكيف أثر فيه السحر؟
فالجواب أن قوله تعالى : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) المراد به عصمة القلب والإيمان لا عصمة الجسد عما يرد عليه من الأمور الحادثة الدنيوية ، فإنه ـ عليهالسلام ـ قد سحر وكسرت رباعيته ، ورمي عليه الكرش والثرب ، وآذاه جماعة من قريش.
قال ابن الخطيب (١) : السّحر على أقسام :
الأول : سحر الكلدانيين الذين كانوا في قديم الدهر يعبدون الكواكب ، ويزعمون أنها هي المدبرة لهذا العالم ، ومنها يصدر الخير والشر والفرح والسرور والسعادة والنحوسة ، وهم الذين بعث الله ـ تعالى ـ إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ مبطلا لمقالتهم ورادّا عليهم وهم ثلاث فرق :
الأولى : الذين زعموا أن الأفلاك والكواكب واجبة في ذواتها ، وأنه لا حاجة بها إلى موجد ومدبر وخالق ، وهي المدبّرة لعالم الكون والفساد ، وهم الصّابئة الدهرية.
والفريق الثاني : القائلون بإلاهية الأفلاك ، قالوا : إنها هي المؤثّرة للحوادث باستدارتها وتحرّكها ، فعبدوها وعظّموها ، واتخذوا لكل واحد منها هيكلا مخصوصا وصنما معينا ، واشتغلوا بخدمتها ، فهذا دين عبدة الأصنام والأوثان.
والفريق الثالث : الذين أثبتوا لهذه الأفلاك والنّجوم فاعلا مختارا خلقها وأوجدها بعد العدم إلّا أنهم قالوا : إن الله ـ تعالى عزوجل ـ أعطاهم قوة عالية نافذة في هذا العالم ، وفوض تدبير هذا العالم إليها.
النوع الثاني : سحر أصحاب الأوهام ، والنفوس القوية.
النوع الثالث : الاستعانة بالأرواح الأرضية.
واعلم أن القول بالجنّ مما أنكره بعض المتأخرين من الفلاسفة والمعتزلة.
أما أكابر الفلاسفة فإنهم لم ينكروا القول به إلا أنهم سمّوها بالأرواح الأرضية ،
__________________
(١) ينظر الفخر الرازي : ٣ / ١٨٩.